كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

قلت: يحتمل أن بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة في إحدى رواياته: "صلى بنا" أنه كان حاضرًا فروى الحديث بالمعنى على زعمه وقال: "بينا أنا أصلي" هذا وإن كان فيه بعد إلا أنه يقربه ما ذكرنا من الدليل على أن ذلك كان قبل بدر، ويدل عليه أيضًا أن في حديث أبي هريرة: "ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها" وفي حديث عمران بن حصين: "ثم دخل منزله" ولا يجوز لأحد اليوم أن ينصرف عن القبلة ويمشي وقد بقي عليه شيء من الصلاة فلا يخرجه ذلك عنها.
فإن قيل: فعل ذلك وهو لا يرى أنه في الصلاة.
قلت: فيلزم على هذا لو أكل أو شرب أو باع أو اشترى وهو لا يرى أنه في الصلاة أنه لا يخرجه ذلك منها، وأيضًا فقد أخبر النبي - عليه السلام - ذو اليدين، وخبر الواحد يجب العمل به، ومع ذلك تكلم - عليه السلام - وتكلم الناس معه مع إمكان الإيماء؛ فدل على أن ذلك كان والكلام مباح في الصلاة ثم نسخ.
فإن قيل: قد جاء في رواية حماد بن زيد أنهم أومئوا.
قلت: قد اختلف على حماد في هذه اللفظة، قال البيهقي في "المعرفة": هذه اللفظة ليست في رواية مسلم عن أبي الربيع، عن حماد، وإنما هي في رواية أبي داود عن محمد بن عبيد.
فإن قيل: قد سجد النبي - عليه السلام - سجدتي السهو في حديث ذي اليدين، ولو كان الكلام حينئذ مباحًا كما قلتم لما سجدهما.
قلت: لم تتفق الرواية على أنه - عليه السلام - سجدهما بل اختلفوا في ذلك، فقال البيهقي: لم يحفظها الزهري لا عن أبي سلمة ولا عن جماعة، حدثوه بهذه القصة عن أبي هريرة، وخرج الطحاوي -رحمه الله-على ما يأتي- عن الزهري قال: "سألت أهل العلم بالمدينة، فما أخبرني أحد منهم أنه صلاهما -يعني سجدتي السهو- يوم ذي اليدين" فإن ثبت أنه لم يسجدهما فلا إشكال، وإن ثبت أنه سجد نقول: الكلام في

الصفحة 55