كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

الصلاة وإن كان مباحًا حينئذٍ، لكن الخروج منها بالتسليم قبل التمام لم يكن مباحًا، فلما فعل - عليه السلام - ذلك ساهيًا، كان عليه السجود لذلك.
فإن قيل: قال البيهقي: "باب ما يستدل به على أنه لا يجوز أن يكون حديث ابن مسعود في تحريم الكلام ناسخًا لحديث أبي هريرة وغيره في كلام الناسي" وذلك لتقدم حديث عبد الله وتأخر حديث أبي هريرة وغيره، قال ابن مسعود فيما روينا عنه في تحريم الكلام: "فلما رجعنا من أرض الحبشة" ورجوعه من أرض الحبشة كان قبل هجرة النبي - عليه السلام -، ثم هاجر إلى المدينة وشهد مع النبي - عليه السلام - بدرًا، فقصة التسليم كانت قبل الهجرة.
قلت: ذكر أبو عمر في "التمهيد" أن الصحيح في حديث ابن مسعود أنه لم يكن إلا بالمدينة، وبها نهي عن الكلام في الصلاة، وقد روى حديث ابن مسعود بما يوفق حديث زيد بن أرقم قال: "كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬1) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" وهو حديث صحيح صريح في أن تحريم الكلام كان بالمدينة؛ لأن صحبة زيد - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت بالمدينة، وسورة البقرة مدنية، ثم ذكر حديث ابن مسعود من جهة شعبة، ولم يقل: إنه كان حين انصرافه من الحبشة، ثم ذكره من وجه آخر بمعنى حديث زيد سواء، ولفظه: "إن الله حدث أن لا تكلموا إلا بذكر الله، وأن تقوموا لله قانتين .... " ثم ذكر حديثًا، ثم قال: ففيه وفي حديث ابن مسعود دليل على أن المنع من الكلام كان بعد إباحته.
فإن قيل: حديث ابن مسعود في سنده عاصم بن بهدلة، قال البيهقي في كتاب "المعرفة": صاحبا الصحيح توقيا روايته لسوء حفظه. وقال أبو عمر في "التمهيد": من ذكر في حديث ابن مسعود: "إن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"، وقد وهم ولم يقل ذلك غير عاصم وهو عندهم سيء الحفظ كثير الخطأ.
¬__________
(¬1) سورة البقرة، آية: [238].

الصفحة 56