كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

رسول الله - عليه السلام - إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلًا -وفي آخره قال:- فجاء ابن مسعود فبادر، وشهد بدرًا".
قلت: ليس فيه أنه جاء إلى مكة كما زعمه، بل ظاهره أنه جاء من الحبشة إلى المدينة؛ لأنه جعل مجيئه وشهوده هذا عقيب هجرته إلى الحبشة بلا تراخ، ثم خرج عن موسى بن عقبة أنه قال: وممن يذكر أنه قدم على النبي - عليه السلام - بمكة من مهاجرة أرض الحبشة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة فذكرهم، وذكر فيهم ابن مسعود، قال: وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله - عليه السلام -، وهكذا ذكره سائر أهل المغازي بلا خلاف.
قلت: أما قول ابن عقبة: "قدم على النبي - عليه السلام - بمكة من مهاجرة الحبشة" أراد به الهجرة الأولى؛ فإنه - عليه السلام - كان بمكة حينئذ ولم يرد هجرة ابن مسعود الثانية فإنه - عليه السلام - لم يكن بمكة حينئذ بل بالمدينة، فلم يرد ابن عقبه بقوله: "ثم هاجر إلى المدينة" أنه هاجر إليها من مكة بل من الحبشة في المرة الثانية.
وأما قول البيهقي: وهكذا ذكره سائر أهل أهل المغازي، إن أراد به شهود ابن مسعود بدرًا فهو مسلَّم، ولكن لا يثبت به مدعاه أولًا، وإن أراد به ما فهمه من كلام ابن عقبة أن رجوعه في المرة الثانية كان إلى مكة، وأنه هاجر منها إلى المدينة ليستدل بذلك على أن تحريم الكلام كان بمكة، يقال له: كلام ابن عقبة يدل على خلاف ذلك كما قررناه، ولئن أراد ابن عقبة ذلك فليس هو مما اتفق عليه أهل المغازي كما تقدم عن ابن الجوزي وغيره.
فإن قيل: فقد ذكر في كتاب "المعرفة" عن الشافعي أن في حديث ابن مسعود أنه مر على النبي - عليه السلام - بمكة، قال: فوجدته يصلي في فناء الكعبة ... " الحديث.
قلت: لم يذكر ذلك أحد من أهل الحديث غير الشافعي، ولم يذكر سنده لينظر فيه، ولم يجد له البيهقي سندًا مع كثرة تتبعه وانتصاره لمذهب الشافعي، وذكر الطحاوي في "أحكام القرآن": أن مهاجرة الحبشة لم يرجعوا إلا إلى المدينة، وأنكر

الصفحة 58