كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

رجوعهم إلى دار قد هاجروا منها؛ لأنهم منعوا من ذلك، واستدل على ذلك بقوله - عليه السلام - في حديث سعد: "ولا تردوهم على أعقابهم" ثم ذكر البيهقي عن الحميدي أنه حمل حديث ابن مسعود على العمد، وإن كان ظاهره يتناول العمد والنسيان، واستدل على ذلك فقال كان إتيان ابن مسعود من أرض الحبشة قبل بدر، ثم شهد بدرًا بعد هذا القول، فلما وجدنا إسلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والنبي - عليه السلام - بخيبر قبل وفاته بثلاث سنين، وقد حضر صلاة رسول الله - عليه السلام - وقول ذي اليدين، ووجدنا عمران بن حصين شهد صلاة رسول الله - عليه السلام - مرة أخرى وقول الخرباق، وكان إسلام عمران بعد بدر، ووجدنا معاوية بن حديج حضر صلاة رسول الله - عليه السلام -، وقول طلحة بن عبيد الله: "وكان إسلام معاوية قبل وفاة النبي - عليه السلام - بشهرين" ووجدنا ابن عباس يصوب ابن الزبير في ذلك ويذكر أنها سنة رسول الله - عليه السلام - وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين قبض النبي - عليه السلام -، ووجدنا ابن عمر - رضي الله عنهما - روى ذلك، وكان إجازة النبي - عليه السلام - ابن عمر يوم الخندق بعد بدر، علمنا أن حديث ابن مسعود خُصَّ به العمد دون النسيان، ولو كان ذاك الحديث في النسيان والعمد يومئذ، لكانت صلاة رسول الله - عليه السلام - ناسخة له لا بعده.
قلت: ليس للحميدي دليل على أن ابن مسعود شهد بدرًا بعد هذا القول، وعلى تقدير صحة ذلك نقول: هذا القول كان بالمدينة قبل بدر، وقضية ذي اليدين أيضًا كانت قبل بدر، لكن قضية ذي اليدين كانت متقدمة على حديث ابن مسعود وابن أرقم، فنسخت بههما، يدل على ذلك ما رواه البيهقي في آخر باب.
"من قال يسجدهما قبل السلام في الزيادة والنقصان" بإسناد جيد: من حديث معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة وأبي بكر بن سليمان، عن أبي هريرة، فذكر صلاة النبي - عليه السلام - وسهوه، ثم قال الزهري: وكان ذلك قبل بدر، ثم استحكمت الأمور بعد فهذا يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة؛ لتأخر إسلامه عن هذا الوقت، وأيضًا فإن ذا اليدين قتل ببدر وأما عمران بن حصين - رضي الله عنه - فليس في شيء من كتب الحديث التي في أيدي الناس أنه حضر تلك الصلاة،

الصفحة 59