كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 7)

ولم يذكر البيهقي ذلك مع كثرة سوقه للطرق، بل في كتاب النسائي، عن عمران: إنه - عليه السلام - صلى بهم وسهى، فسجد ثم سلم وكذا في "صحيح مسلم" وغيره بمعناه، والأظهر أن ذلك مختصر من حديث ذي اليدين، فظاهر قوله: "صلى بهم" أنه لم يحضر تلك الصلاة.
وأما حديث معاوية بن حديج ففي إسناده سويد بن قيس المصري التجيبي قال: الذهبي في كتابه "الميزان" و"الضعفاء": مجهول تفرد عنه يزيد بن أبي حبيب.
وفي حديث معاوية هذا مخالفة لحديث ذي اليدين من وجوه تظهر لمن ينظر فيه، وفيه: "أنه - عليه السلام - أمر بلالًا فأقام الصلاة، ثم أتم تلك الركعة" وأجمعوا على العمل بخلاف ذلك، وقالوا: إن فعل الإقامة ونحوها يقطع الصلاة، وأما تصويب ابن عباس لابن الزبير - رضي الله عنهم - في ذلك فقد ذكره البيهقي من طريقين في أحدهما حماد بن سلمة عن عسل بن سفيان، وقال: في باب: "من مرَّ بحائط إنسان": ليس بالقوي، وعِسْل ضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وغيرهم.
وفي الطريق الثاني: الحارث بن عبيد أبو قدامة، قال النسائي: ليس بالقوي. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وعنه قال: لا أعرفه. وقال البيهقي في باب: "سجود القرآن إحدى عشرة" ضعفه ابن معين.
فأما قوله: "وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين قبض النبي - عليه السلام -" فكأنه أراد بذلك استبعاد قول من يقول: إن قضية ذي اليدين كانت قبل بدر؛ لأن ظاهر قول ابن عباس ما أماط سنة نبيه - عليه السلام - يدل على أنه شهد تلك القضية، وقبل بدر لم يكن ابن عباس من أهل التمييز وتحمل الرواية لصغره جدًّا ونحن بعد تسليم دلالته على أنه شهد القضية نمنع كون سنه كذلك، بل قد روى عنه أنه قال: توفي النبي - عليه السلام - وأنا ابن خمس عشرة سنة، وصوب أحمد بن حنبل هذا القول، ويدل عليه ما روي في الصحيح عن ابن عباس أنه قال في حجة الوداع، وكنت يومئذ قد ناهزت الحلم، ولا يلزم من رواية ابن عمر ذلك وإجازته بعد بدر أن لا تكون القضية قبل بدر؛ لأنه كان عند ذلك من أهل التحمل.

الصفحة 60