كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 7)
[رسائل للفتح]
1 - ومن بديع إنشاء الفتح المذكور سامحه الله تعالى قوله: أطال الله تعالى بقاء الوزير الأجلّ، عتادي الأسرى، وزنادي الأورى، وأيامه أعياد، وللسعد في زمانه انقياد، أمّا أنا - أدام الله تعالى عزّه - فجوّي عاتم، وأعيادي مآتم، وصبحي عشاء، وما لي إلاّ من الخطوب انتشاء، أبيت بين فؤاد خافق وطرف مسهّد، نائي المحلّة من مزار العوّد، حين لا أرى الروض المنوّر، ولا أحس سهيلاً إذا لاح ثم تهوّر (1) ، وقد بعدت دار إليّ حبيبة، ودنت مني حوادث بأدناها تؤذي الشبيبة، وأي عيش لمن لزم المفاوز لا يريمها، حتى ألفه ريمها، قد رمته النوائب فما اتّقى، وارتقت له الجوائح في وعور المرتقى، يواصل النوى ولا يهجر سيراً، ولا يزجر في الإراحة طيراً، قد هام بالوطن، هيام ابن طالب بالحوض والعطن، وحنّ إلى تلك البقاع، حنينه إلى أثلاث القاع (2) ، ولا سبيل أن يشعب صدر بينه شاعب، أو تكلّمه أحجار للدار وملاعب، وليس له إلى أين يجنح، ولا يرى أمله يسنح، قد طوى البلاد وبسطها، وتطرّف الأرض وتوسطها، ولم يلف مقيلاً، ولا وجد مقيلاً، إلى الله أشكو ما أقاسي وأقاصي، وبيده الأقدام والنواصي، ولقاؤه موعد كلّ موعد، وكل معمر سيدركه يوماً حمام الموعد، وأنفذته وقد صدرت عن فلانة بعد أهوال لقيتها، وأنكال سقيتها، وسفر لقيت منه نصباً، وكدر أعقبني وصباً، وإلى متى يعتزلني السعد ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ انتهى.
__________
(1) ق: تنور، وصوابه " تغور ".
(2) يشير إلى يحيى بن طالب الحنفي حين اغترب عن وطنه اليمامة إلى العراق وافتقر، وهو يقول في الحنين إلى أثلاث القاع:
أيا أثلاث القاع من بطن توضح ... حنيني إلى أفيائكن طويل وقد شرح ياقوت قصته في معجم البلدان (قرقري) .