كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 7)

ليت التحية كانت لي فأشكرها (1) ... ولا عتب إلاّ على الحاء، المبرحة بالبرحاء، فهي التي أقامت قيامتي في الأندية، وقامت عليّ قيام المتعدية، يتظلم وهو عين الظالم، ويلين القول وتحته سم الأراقم، ولعمر اليراعة وما رضعت، والبراعة وما صنعت، ما خامرني هواها (2) ، ولا كلفت بها دون سواها، ولقد عرضت نفسها عليّ مراراً، فأعرضت عنها اوزراراً، ودفعتها عني بكل وجه، تارة بلطف وأخرى بنجه (3) ، وخفت منها السآمة، وقلت: انكحي أسامة، فرضيت مني بأبي جهم (4) وسوء ملكته، وابن أبي سفيان وصعلكته (5) ، وكانت أسرع من أم خارجة للخطبة، وأسمع من سجاح (6) في استنجاح تلك الخطبة.
ولقد كنت أخاف من انتقال الطباع في عشرتها، واستثقال الاجتماع من عترتها، وأرى من الغبن والسفاه، أخذها وترك بنات الأفواه والشفاه (7) ، إذ هي أيسر مؤونة، وأكثر معونة، فغلطني فيها أن كانت بمنزل تتوارى صوناً عن الشمس، ومن نسوة خفرات لا ينطقن إلا بالهمس، ووجدتها أطوع من البنان للكف، والعنان للكفّ (8) ، والمعنى للاسم، والمغنى للرسم، والظل للشخص، والمستدل للنص، فما عرفت منها إلاّ خيراً أرضاه، وحسبتها من الحافظات
__________
(1) من شعر كثير عزة؛ وتمامه: مكان يا جمل حييت يا رجل.
(2) الضمير عائد إلى " الحاء " ولعله يعني قصيدة أو رسالة بنيت على تكرير الحاء في كل كلمة.
(3) النجه: الرد القبيح.
(4) في ق والتجارية: أبو جهل، وهو خطأ، انظر التعليق التالي.
(5) يشير لى قصة فاطمة بنت قيس أخت الضحاك حين خطبها معاوية وأبو جهم: أما معاوية فوصف بأنه صعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فإنه لا يضع عصاه عن عاتقه (اي يضرب النساء) ، وتزوجت فاطمة بعد ذلك أسامة بن زيد.
(6) قصة زواج سجاح من مسيلمة مشهورة؛ وقد ضرب بها المثل في الإسماح.
(7) بنات الأفواه والشفاه من الحروف مثل الباء والميم ... الخ.
(8) الكف: الكبح والمنع.

الصفحة 418