كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 7)

خالعاً لعذاره، طالعاً في ثنيّات اغتراره، غير مكترث باتّضاعه، ولا منحرف عن ارتشاف الغيّ وارتضاعه، وبدا منه في هذه الحال ندى كاثر به السحاب، وظاهر بسببه الصّحاب، وتخدّم الأوطار، وتقدم لذوي الرتب فيها والأخطار، [تقدماً] حسّن من ذكره، وأولع الألسن بشكره، فارتفع عنه الكدح، وشفع له في الذم ذلك المدح، وكان نظمه بديع الوصف، رفيع الرّصف، وقد أثبت له ما يشهد بإجادته وإحسانه، شهادة الروض بجود نيسانه.
أخبرني ابن القطان أنّه ساير الأمير يحيى بن أبي بكر إلى طليطلة في جيوش فاضت سيلاً، وخاضت المطايا قتامها ليلاً، وكان ملكاً لم يعقد على مثله لواء، ولم يحتوٍ على شبهه حواء (1) ، جمال محياً، وكمال عليا، وحسن شيم، وبعد همم، أغنى العفاة، وأحيا الرفات، وألغى الأجواد، وأنسى كعب ابن مامة وابن أبي دواد، فلمّا شارف طليطلة وكشفها، واشتفّ بلالتها وارتشفها، وضرب بكنفها مضاربه، وأجال بساحتها زنجه وأعاربه، سقط أحد ألويته عن يد حامله، وانكسر عند عامله، فطائفة تفاءلت، وطائفة تطيرت، وفرقة ابتهجت، وأخرى تغيرت، فقال:
لم ينكسر عود اللّواء لطيرةٍ ... يُخشى عليك بها وأن تتأوّلا
لكن تحقّق أنّه يندقّ في ... نحر العدا ولدى الوغى فتعجّلا وأخبرني أخوه رفيع الدولة أن ابن اللبانة كتب إليه والخلع قد نضا لبوسه، وقصر بوسه، وكدر صفاءه، وغدر وفاءه، وطوى ميدان جوده، وأذوى أفنان وجوده، قوله (2) :
يا ذا الذي هزّ أمداحي بحليته ... وعزّه أن يهزّ المجد والكرما
__________
(1) الحواء: مضرب الأعراب.
(2) مر البيتان وجوابهما في النفح ج 3: 396.

الصفحة 42