كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 7)

بالشفعة لغيبته أو لسبب آخر لا تبطل شفعته وإن طال الزمان.
وقال أبو حنيفة: إذا امتدت غيبته سنة بطلت الشفعة، وإن لم يعلم وربما ينكرون هذا المذهب وهذا غلط لأنه حق ثبت لإزالة الضرر فلا يبطل مع عدم العلم به كالرد بالعيب، ثم إذا علم فخياره في الأخذ على الفور أو على التراخي فيه أربعة أقوال قال في الجديد: هو على الفور كخيار القبول في البيع والرد بالعيب وهذا هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة إلا أنه يقدره بالمجلس وعندنا لا يتقدر في ظاهر المذهب عندي والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة لمن واثبها"، وروي: "الشفعة كنشاطة العقال إن قيدت ثبتت وإن تركت فاللوم على من تركها" وقيل: فيه وجهان والمذهب أن له الخيار ما دام في المجلس الذي بلغه، ومعنى الفور عندنا أنه على حسب الإمكان في العرف فإن علم بها وكان حاقنًا تطهر، وغن كان على صلاة صلاها، وإن كان به شدة جوع أكل وغسل يده، وإن كان عريان لبس ثيابه التي جرت عادته بلبسها، وإن كان بالليل فحتى يصبح ويصلي الصبح على ما جرت به العادة ولا يلزمه العدو إلى دار المشتري ولا الركوب طلبًا للمبادرة إليه، وأصل هذا عرف العادة، وإن كان معذورًا فأخر الطلب به لم يبطل أيضًا والعذر ثلاثة مرض وحبس وغيبة، فإن كان مريضًا نظر، فإن كان المرض خفيفًا يمكن المطالبة مع وجوده كالصداع ونحوه فهو كالصحيح، وإن كان شديدًا لا يمكنه المطالبة [63/ ب] به مع وجوده فإن قدر على التوكيل وكل، وغن ترك ذاك بطلت شفعته، وغن لم يقدر على التوكيل كان عذرًا فيصير إلى أن يقدر فيوكل أو يطلب هو وهل يلزمه الإشهاد؟
قال أكثر أصحابنا: الإشهاد لازم لأنه لابد من أن يظهر أمارة تدل على انه تركها للعذر لا للرضا بالترك وبه قال صاحب "الإفصاح" ويفارق هذا القادر على الطلب لا يلزمه الإشهاد لأن ظهور الطلب من القادر عليه يغني عن الإخبار بمراده والعاجز عنه يحتمل أن يكون إمساكه تركًا للشفعة ويحتمل أن يكون قصدًا للطلب مع المكنة فافتقر إلى نفي الاحتمال في الإخبار عن مراده بالإشهاد، وقال بعض أصحابنا: الإشهاد احتياط ولا يجب وهو ظاهر كلام الشافعي ها هنا لأنه قال: فإن كان له عذر من حبس أو غيره فهو على شفعته وإلا فلا شفعة له ولم يشترط فيه الإشهاد وقيل: فيه قولان ذكره في "الحاوي"، وقال القاضي الطبري: لو ترك التوكيل مع الإمكان هل تبطل شفعته؟ وجهان:
أحدهما: لا تبطل وهو اختيار أبي إسحاق وغيره لأن له غرضًا في أن يتولى طلبها بنفسه لئلا يلزمه أجرة الوكيل أو المنة إن لم يكن بأجرة، أو لا يقر على الموكل بما يسقط حق الشفعة فيحكم الحاكم بصحة إقراره على قول بعض العلماء.
والثاني: تبطل لأن وكيله يقوم مقامه، ألا ترى أنه إذا أمكنته أن يطلب بنفسه فوكل

الصفحة 7