كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 7)

المربوب، وتوسَّع في طلبها، فاستوجب أوسع العقوبة كما قال تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)} [مريم: 67 - 69]؛ أي: تكبراً وتجبراً {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم: 70].
وهذه العقوبة التي يظهر سلطانها في الآخرة تظهر أماراتها في الدنيا بالطبع على القلوب بحيث إن ذويها لا يهتدون إلى خير، ولا تظهر عليهم آثار الرحمة لانتزاعها من قلوبهم، بل تظهر منهم آثار القسوة والجبروت.
قال الله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)} [غافر: 35].
وقرأ أبو عمرو، وابن ذكوان هذه الآية بتنوين قلب على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما، كما يقال: سمعت أذني، ونظرت عيني، ووعى قلبي (¬1).
وهو أحسن من حَمْلِه على حذف المضاف؛ أي: على كل ذي قلب؛ فإن القلب في الحقيقة هو المتكبر الجبار؛ فإن الجوارح كالرعية له المنقادة إليه، فقد يبعثها في مقتضى طبعه وخلقه، فتظهر منها آثار جبروته، وقد ينطوي بطبعه وخلقه دونها لضعفه وعدم تمكنه بما يعرض عليه من عجز أو فقر، ثم لا يخفى منه ذلك الخلق حتى تظهر
¬__________
(¬1) انظر: "تفسير القرطبي" (15/ 314)، و"تفسير البيضاوي" (5/ 93).

الصفحة 44