كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 7)

فَأَخَذُوا الْوَادِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي كَتِيبَتِهِ وَقَدْ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا وَأَتْبَاعًا لَهَا، فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا مَا سَأَلُوا، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم فَرَآنِي، فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، اهْتِفْ بِالأَنْصَارِ، فَلَا يَأْتِينِي إِلَاّ أَنْصَارِيٌّ"، فَهَتَفَ بِهِمْ فَجَاؤُوا فَأَحَاطُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "أَمَا تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ"، وَضَرَبَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْخِنْصَرَ وَسَطَ الْيُسْرَى، وَقَالَ: "احْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا، فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَاّ قَتَلَهُ، وَمَا يُوَجِّهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْنَا شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ"، فَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ الْقَوْسَ، وَكَانَ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ صَنَمٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ،
فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَطْعُنُ فِي جَنْبِهِ بِالْقَوْسِ وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ". فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ، أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ، فَجَعَلَ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَرْفَعُ يَدَهُ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَذْكُرُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَذْكُرَهُ وَالأَنْصَارُ تَحْتَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ! وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، ثُمَّ يُطْرِقُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ"، قَالُوا: قَدْ قُلْنَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "كَلَاّ، إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، فأَقْبَلُوا يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاللهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَاّ ضَنًّا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ! قَالَ: "وَإِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ عُنْوَةً لَا صُلْحًا. [٤٧٦٠]

الصفحة 107