كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 7)
ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم فَشَكَى النَّاسُ إِلَيْهِ الْعَطَشَ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا، كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ وَنَسِيَهُ عَوْفٌ، وَدَعَا عَلِيًّا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "اذْهَبَا فَأَتِيَا بِالْمَاءِ! " فَانْطَلَقَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا امْرَأَةٌ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَقَالَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفٌ، قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي، قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، قَالَتْ: هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِيُّ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي، وَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ، وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ الْعَزَالِي، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أَنِ اسْتَقُوا وَاسْقُوا، قَالَ: فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَسْقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، وَقَالَ: "اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ"، قَالَ: وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، قَالَ: وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا حِينَ أُقْلِعَ، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مَلْئًا مِنْهَا حِينَ ابْتُدِئَ فِيهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "اجْمَعُوا لَهَا طَعَامًا"، فَجُمِعَ لَهَا مِنْ تَمْرِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا كَثِيرًا، وَجَعَلُوهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهَا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "تَعْلَمِينَ وَاللهِ مَا رَزَئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي سَقَانَا". فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ، قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلَانِ، فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِي، فَفَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا الَّذِي قَدْ كَانَ، وَاللهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ مَنْ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ، وَقَالَتْ بِأُصْبُوعَيْهَا السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ فِيهِمْ، قَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أَرَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ إِلَاّ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلَامِ؟ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلَامِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ، مَاتَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. [١٣٠٢]
الصفحة 31