كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 7)

فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَقَالُوا: نُذَكِّرُكَ اللهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَسِيرَ بِنَفْسِكَ إِلَى الْعَجَمِ، فَإِنْ أُصِبْتَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ نِظَامٌ، وَلَكِنِ ابْعَثِ الْجُنُودَ!
قَالَ: فَبَعَثَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَبَعَثَ فِيهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَبَعَثَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ سِرْ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَنْ سِرْ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ حَتَّى تَجْتَمِعُوا جَمِيعًا بِنَهَاوَنْدَ، فَإِذَا اجْتَمَعْتُمْ فَأَمِيرُكُمُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا بِنَهَاوَنْدَ جَمِيعًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بَنْذَاذِقَانُ الْعِلْجُ: أَنْ أَرْسِلُوا إِلَيْنَا يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ رَجُلاً مِنْكُمْ نُكَلِّمُهُ، فَاخْتَارَ النَّاسُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، قَالَ أَبِي: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ رَجُلٌ طَوِيلٌ أَشْعَرُ أَعْوَرُ، فَأَتَاهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا سَأَلْنَاهُ، فَقَالَ لَنَا: إِنِّي وَجَدْتُ الْعِلْجَ قَدِ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَأْذَنُونَ لِهَذَا الْعَرَبِيِّ، أَبِشَارَتِنَا وَبَهْجَتِنَا وَمُلْكِنَا، أَوْ نَتَقَشَّفُ لَهُ فَنُزَهِّدُهُ عَمَّا فِي أَيْدِينَا؟ فَقَالُوا: بَلْ نَأْذَنُ لَهُ بِأَفْضَلِ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّارَةِ وَالْعُدَّةِ،
فَلَمَّا أَتَيْتُهُمْ رَأَيْتُ تِلْكَ الْحِرَابَ وَالدَّرَقَ يَلْتَمِعُ مِنْهَا الْبَصَرُ، وَرَأَيْتُهُمْ قِيَامًا عَلَى رَأْسِهِ، وَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ التَّاجُ، فَمَضَيْتُ كَمَا أَنَا، وَنَكَسْتُ رَأْسِي لأَقْعُدَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، قَالَ: فَدُفِعْتُ وَنُهِرْتُ، فَقُلْتُ: إِنَّ الرُّسُلَ لَا يُفْعَلُ بِهِمْ هَذَا! فَقَالُوا لِي: إِنَّمَا أَنْتَ كَلْبٌ، أَتَقْعُدُ مَعَ الْمَلِكِ؟ فَقُلْتُ: لأَنَا أَشْرَفُ فِي قَوْمِي مِنْ هَذَا فِيكُمْ! قَالَ: فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ، فَتُرْجِمَ لِي قَوْلُهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا، وَأَعْظَمَ النَّاسِ شَقَاءً، وَأَقْذَرَ النَّاسِ قَذَرًا، وَأَبْعَدَ النَّاسِ دَارًا، وَأَبْعَدَهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَمَا كَانَ مَنَعَنِي أَنْ آمُرَ هَؤُلَاءِ الأَسَاوِرَةَ حَوْلِي أَنْ يَنْتَظِمُوكُمْ بِالنُّشَّابِ إِلَاّ تَنَجُّسًا بِجِيفَتِكُمْ لأَنَّكُمْ أَرْجَاسٌ، فَإِنْ تَذْهَبُوا نُخْلِي عَنْكُمْ، وَإِنْ تَأْبَوْا نُبَوِّئْكُمْ مَصَارِعَكُمْ.
قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَحَمِدْتُ اللهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أَخْطَأْتَ مِنْ صِفَتِنَا وَنَعْتِنَا شَيْئًا إِنْ كُنَّا لأَبْعَدَ النَّاسِ دَارًا وَأَشَدَّ النَّاسِ جُوعًا،

الصفحة 68