كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 7)
قَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلاً، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ! قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَأَخْبَرْتُهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم.
فَقَامَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبُو مَسْعُودٍ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَلَسْتُ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا امْرُؤٌ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ! قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ. قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَوَاللهِ إِنِّي أَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَوْبَاشاً مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَاّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ. وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، وَعَلَيْهِ السَّيْفُ وَالْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم! فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ! وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "أَمَّا الإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ".
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِعَيْنِهِ، فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم نُخَامَةً إِلَاّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ،
الصفحة 97