كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 7/ 1)

وإذا عرفت أن التمثيل والاستعارة من عمل هذه القوة باتفاق علماء النفس، فلو جرى طائفة من الناس على إطلاق التخيل أو الخيال عندما تتصرف هذه القوة تصرفاً تصوغ به معنى مبتدعاً، سواء أذعن له العقل، أو تجافى عنه، لم يكونوا صنعوا شيئاً سوى تغيير الاصطلاح، وإدخال القسمين تحت اسم واحد.
واطلاق لفظ التخييل أو الخيال في صدد الحديث عن المعاني الصادقة، والتصورات المعقولة، لا يحط من قيمتها، أو يمس حرمتها بنقيصة؛ فإن علماء البلاغة أنفسَهم قد أطلقوه على ما يأتي به البليغ في الاستعارة المكنية من الأمور الخاصة بالمشبّه به، ويثبته للمشبّه، فقالوا: الأظفار أو إضافتها في قولك: "أنشبت المنية أظفارها" تخييل، أو استعارة تخييلية، وأطلقوه في الفصل والوصل حين تكلموا على الجامع بين الجملتين، وقسّموه إلى: عقلي، ووهمي، وخيالي، وأطلقوه في فن البديع على تصوير ما سيظهر في العيان بصورة المشاهد، ولم يبالوا أن يضربوالجميع تلك المباحث أمثلة من آيات الكتاب العزيز وغيره من الأقوال الصادقة.
فيسوغ لنا حينئذ أن نساير أدباء العصر، ونتوسع في معنى الخيال والتخييل، ولا نقف عند اصطلاح القدماء من الفلاسفة أو علماء البلاغة حيث خصوا بهما ما لا يصادق عليه العقل، والمخالفة في الاصطلاح ما دامت الحقائق قائمة، والمقاصد ثابتة بحالها، لا يبعد تبديل العبارة أو الاسلوب.
يقول الناس عندما يسمعون بيتاً أو أبياتاً لأحد الشعراء: "هذا خيالٌ واسغٌ" أو: "هذا تخيُّلٌ بديعٌ"، فيفهم السامع لهذه الكلمات وما يماثلها: أن لصاحب هذا الشعر قدرة على سبك المعاني، وصوغها في شكل بديع.

الصفحة 12