كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 7/ 1)

قال ابن أي الحديد في التعليق على قول ابن الأثير هذا: "أليس كل قبيلة وكل أمة لها لغة تختص بها؟! أو ليس الألفاظ دلالات على ما في الأنفس من المعاني؟! فإذا خطر في النفس كلام يتضمن أمرين ضدين، فلا بد لصاحب ذلك الخاطر، سواء كان عربياً أو فارسياً، أو زنجياً أو حبشياً، أن ينطق بلفظ يدل على تلك المعاني المتضادة، وهذا أمر يعم العقلاء كلهم".
وإذا توافقت لغتان في بعض الخصائص، كان من الجائز أن تتشابه مذاهب الكاتبين في هذه الخصائص من علماء اللغتين، دون أن يستمد هؤلاء مما كتب هؤلاء.
قال المحاضر: "ثم يعرض أرسطاطاليس إلى أجزاء الخطبة، فيرى أن تقسم إلى أجزاء يحسن الوقوف عندها، وقد أخذ العرب بذلك؛ فإنا نجد أبا هلال العسكري يقرر ذلك، ويسميه: الازدواج، ويمثل له بقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] ".
إذا كان هذا النوع من محاسن البيان شائعاً في كلام العرب، فما الذي يمنع من أن يكون علماء العربية أدركوا حسنه، فأدخلوه في جملة محاسنها، وسموه: الازدواج، وإذا كان حسنه مما يدرك بالطبع، فلمَ لا يكون طبع الباحث في العربية صافياً كطبع أرسطاطاليس، فلا يفوته أن يتنبه لهذا الوجه من الحسن؟!.
على أن الازدواج معروف بهذا الاسم من قبل أبي هلال العسكري؛ فإنا نرى الجاحظ قد عقد في كتاب "البيان" فصلاً عنوانه: (باب: مزدوج الكلام) أورد فيه جملاً تنتظم في هذا السلك، وقال في هذا الكتاب: "ونحن -أبقاك الله- إذا ادعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والأرجاز، ومن

الصفحة 192