كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
236 - حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الثِّقَةِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَدَّ رَجُلاً عَلَى أَبِيهِ فِي الْغَزْوِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَبْكِي عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُهُ فِي الشِّعْرِ، فَكَانَ فِيمَا يَقُولُ:
أَتَاهُ مُهَاجِرَانِ فَزَلَّجَاهُ ... عِبَادَ اللهِ قَدْ عَقَّا وَخَابَا
أَبِرًّا بَعْدَ ضَيْعَةِ وَالِدَيْهِ ... فَلاَ وَأَبِي كِلاَبٍ مَا أَصَابَا
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَجَلْ، لاَ، وَأَبِي كِلاَبٍ، مَا أَصَابَا
تَرَكْتَ أَبَاكَ مُرْعَشَةً يَدَاهُ ... وَأُمَّكَ مَا تُسِيغُ لَهَا شَرَابًا
إِذَا دَعَتِ الْحَمَامَةُ سَاقَ حُرٍّ ... عَلَى بَيْضَاتِهَا دَعَوْا كِلاَبَا
تُنَفِّضُ مَهْدَهُ شَفَقًا عَلَيْهِ ... وَتَجْنُبُهُ أَبَاعِرَنَا الصِّعَابَا.
237 - حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَمَيَّةُ بْنُ الأَسْكَرِ الْجُنْدَعِيُّ أَدْرَكَ الإِسْلاَمَ وَهُوَ شيخٌ كبِيرٌ، وَلَهُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، وَلَهُ مِنْهَا بَنُونَ، فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي فِي مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ وَأَحَدُ بَنِيهِ يَقُودُهُ، إِذْ جَذَبَ يَدَهُ مِنْهُ، فَلَحِقَ بِالْجِهَادِ، وَلَحِقَهُ أَخُوهُ، فَقَالَ أَمَيَّةُ:
إِذَا دَعَتِ الْحَمَامَةُ سَاقَ حُرٍّ ... عَلَى بَيْضَاتِهَا دَعَوْا كِلاَبَا
تَرَكْتَ أَبَاكَ مُرْعَشَةً يَدَاهُ ... وَأُمَّكَ مَا تُسِيغُ لَهَا شَرَابَا
أَتَاهُ مُسْلِمَانِ فَزَلَّجَاهُ ... لِتَرْكِ عَجُوزِهِ عَقَّا وَحَابَا
أَرَادَا أَنْ يُفَارِقَهَا فَقَالاَ ... كِتَابَ اللهِ لَوْ قَبِلَ الْكِتَابَا
وَقَالَ:
أَصَاحَبْتَنِي حَتَّى إِذَا مَا رَأَيْتَنِي ... أَرَى الشَّخْصَ كَالشَّخْصَيْنِ وَهْوَ قَرِيبُ
وَأَنِّي حَنَى ظَهْرِي حَوَانٍ تَرَكْنَهُ ... شَجَارًا فمَشْيِي فِي الرِّجَالِ دَبِيبُ
تُحَدِّثُ فِي الأَقْوَامِ أَنْ لَمْ تَعُقَّنِي ... بَلَى حِينَ إِذْ فَارَقْتَني وَتَحُوبُ
وَقَالَ:
يَا ابْنَيْ أَمَيَّةَ إِنِّي عَنْكُمَا غَانِ ... وَمَا الْغِنَى غَيْرَ أَنِّي مُرْعَشٌ فَانِ
يَا ابْنَيْ أَمَيَّةَ إِلاَّ تَشْهَدَا كِبَرِي ... فَإِنَّ فَقْدَكُمَا وَالْمَوْتَ عِدْلاَنِ
فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ تُفَارِقَانِهِ حَتَّى يَمَوْتَ.
الصفحة 131