كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

304 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَبْرَشُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكَلْبِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَسَأَلْتُهُ حَاجَةً، فَامْتَنَعَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ بُدَّ مِنْهَا فَإِنَّا قَدْ ثَنَيْنَا عَلَيْهَا رِجْلاً. قَالَ: ذَاكَ أَضْعَفُ لَكَ أَنْ تَثْنِي رِجْلَكَ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كُنْتُ أَظَنُّ أَنِّي أَمُدُّ يَدِي إِلَى شَيْءٍ مِمَّا قِبَلَكَ إِلاَّ نِلْتُهُ، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لأَنِّي رَأَيْتُكَ لِذَلِكَ أَهْلاً، وَرَأَيْتُنِي مُسْتَحِقَّهُ مِنْكَ قَالَ: يَا أَبْرَشُ، مَا أَكْثَرَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَمْرًا وَلَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ. فَقُلْتُ: أُفٍّ لَكَ، إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ قَلِيلُ الْخَيْرِ نَكِدُهُ، وَاللَّهِ إِنْ نُصِيبُ مِنْكَ الشَّيْءَ إِلاَّ بَعْدَ مَسْأَلَةٍ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْنَا مَنَنْتَ بِهِ، وَاللَّهِ إِنْ أَصَبْنَا مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، وَلَكِنَّا وَجَدْنَا الأَعْرَابِيَّ أَقَلَّ شَيْءٍ شُكْرًا. قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحْصِيَ مَا يُعْطِي، وَدَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَنَحْنُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: مَهْ يَا أَبَا مُجَاشِعٍ، لاَ تَقُلْ ذَاكَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَقَالَ هِشَامٌ: أَتَرْضَى بِأَبِي عُثْمَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ سَعِيدٌ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا مُجَاشِعٍ؟ فَقُلْتُ: لاَ تَعْجَلْ، صَحِبْتُ وَاللَّهِ هَذَا، وَهُوَ أَنْذَلُ بَنِي أَمَيَّةَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ قَوْمِي، أَكْثَرُهُمْ مَالاً وَأَوْجَهُهُمْ جَاهًا، أُدْعَى إِلَى الأُمُورِ الْعِظَامِ مِنْ قِبَلِ الْخُلَفَاءِ وَمَا يَطْمَعُ هَذَا يَوْمَئِذٍ فِيمَا صَارَ إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا صَارَ إِلَى الْبَحْرِ الأَخْضَرِ غَرَفَ لَنَا مِنْهُ غَرْفةً، ثُمَّ قَالَ: حَسْبُ. فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبْرَشُ، اغْفِرْهَا لِي، فَوَاللَّهِ لاَ أَعُودُ لِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ أَبَدًا. صَدَقَ يَا أَبَا عُثْمَانَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ، مَا زَالَ مُكْرِمًا لِي حَتَّى مَاتَ.

الصفحة 147