كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

451 - حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ زَائِدَةَ الْبِنْدَارُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: بَيْنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسَانِ إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُمَا، فَلَمْ يُعْطِيَاهُ شَيْئًا، وَقَالاَ: اذْهَبْ إِلَى ذَيْنِكَ الْفَتَيَيْنِ، وَأَشَارَا إِلَى الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَهُمَا جَالِسَانِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا فَسَأَلَهُمَا، فَقَالاَ: إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُوجِعٍ، أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ أَمْرٍ مُفْظِعٍ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ، فَقَالَ: أَسْأَلُ وَأَخَذَنِي الثَّلاَثُ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِئَةٍ خَمْسَمِئَةٍ، فَانْصَرَفَ الأَعْرَابِيُّ فَمَرَّ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبَانَ وَهُمَا جَالِسَانِ، فَقَالاَ: مَا أَعَطَاكَ الْفَتَيَانِ، فَأَنْشَأَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:
أَعْطَيَانِي وَأَقْنَيَانِي جَمِيعًا ... إِذْ تَوَاكَلْتُمَا فَلَمْ تُعْطِيَانِي،
جَعَلَ اللَّهُ مِنْ وُجُوهِكُمَا نَعْلَيْنِ ... سِبْتًا يَطَاهُمَا الْفَتَيَانِ،
حَسَنٌ وَالْحُسَيْنُ خَيْرُ بَنِي حَوَّاءَ ... صِيغَا مِنَ الأَغَرِّ الْهِجَانِ
فَدَعَا سُنَّةَ الْمَكَارِمِ وَالْمَجْدِ ... فَمَا مِنْكَمَا لَهَا مِنْ مُدَانِي.
452 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّا كَانَ يَصْنَعُ أَبُوهُ مِنْ أَخْلاَقِهِ، فَقَالَ: كَانَ قَدْ جُبِلَ عَلَى شَيْءٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: تَمَنَّ عَلَيَّ وَاجْتَهِدْ فِي الأَمَانِيِّ، فَقَالَ: بَكْرًا يَحْمِلُ رَحْلِي إِلَى أَهْلِي، وَحُلَّةً أَلْبَسُهَا يَوْمَ قُدُومِي عَلَى الْحَيِّ، وَبُرْدَةً أَمْتَهِنُهَا فِي سَفَرِي، وَنَفَقَةً تُبَلِّغُنِي إِلَيْهِمْ. قَالَ: لَقَدْ قَصَّرَتْ بكَ نَفْسُكَ، فَهَلاَّ سَأَلْتَنِي مَا أَمْلِكُ فَأُخْرِجُ لَكَ عَيْنَهُ. قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ بِمِئَةِ حُلَّةٍ، وَمِئَةِ نَاقَةٍ، وَمِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: أَمَّا الأَحْجَارُ - يَعْنِي الْمَالَ - فَلاَ حَاجَةَ لِي بِهَا، وَأَمَّا الْحُلَلُ فَوَاحِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ تَكْفِينِي، وَأَمَّا الإِبِلُ فَأَسُوقُهَا وَاللَّهِ إِلَى أَهْلِي، قَالَ: فَسَاقَ الإِبِلَ، وَتَرَكَ الْمَالَ وَالْحُلَلَ، فَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ فَقُسِّمَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

الصفحة 193