كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

469 - وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُرَيْبٍ الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا، يَتَحَدَّثُونَ، قَالُوا: سَمِعْنَا عَلِيَّ بْنَ أَصْمَعَ، يَقُولُ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَامِرٍ: إِذَا طَلَبَتْ إِلَيَّ حَاجَةً فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ سِتْرًا، فَإِنْ يَكُنْ مَنْعٌ لَمْ يَلْقَكَ، وَإِنْ يَكُنْ نُجْحٌ أَتَاكَ.
470 - وَقَالَ لِي زِيَادٌ: لاَ تُشْرِكْ فِي مَعْرُوفِي غَيْرِي، فَإِنِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ هَنَّأْتُكَ، وَإِنْ مَنَعْتُكَ أَحْسَنْتُ الْمَنْعَ، وَأَرْصَدْتُ لَكَ حَاجَةً أُخْرَى.
471 - وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: دَخَلَ الْفَرَزْدَقُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ فِي دَارِهِ بِالزَّاوِيَةِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الْعَرَقُ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ:
لَوَلاَ ابْنُ عُتْبَةَ عَمْرٌو وَالرَّجَاءُ ... لَهُ مَا كَانَتْ الْبَصْرَةُ الْحَمْقَاءُ لِي وَطَنا
أَعْطَانِيَ الْمَالَ حَتَّى قُلْتُ يُودِعُنِي ... أَوْ قُلْتُ أَوْدَعَ لِي مَالاً رآهُ لَنَا
فَجُودُهُ مُكْسِبٌ شُكْرًا وَمِنَّتُه ... وَكُلَّمَا ازْدَدْتُ شُكْرًا زَادَنِي مِنَنَا
يَرْمِي بِهِمَّتِهِ أَقْصَى مَسَافَتِهَا ... وَلاَ يُرِيدُ عَلَى مَعْرُوفِهِ ثَمَنَا.
472 - حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ هَارُونُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِنُصَيْبٍ: هَرِمَ شِعْرُكَ، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ وَلَكِنْ هَرِمَ الْجُودُ، لَقَدْ مَدَحْتُ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بِقَصِيدَةٍ، فَأَعْطَانِي أَرْبَعَمِئَةِ نَاقَةٍ، وَأَرْبَعَمِئَةِ شَاةٍ، وَأَرْبَعَمِئَةِ دِينَارٍ قَالَ: وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ فَأَعْطَاهُ مَالاَ، فَبَكَى الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ الْحَكَمُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: وَاللَّهُ إِنِّي أَنْفَسُ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ مِثْلَكَ إِذَا مِتَّ.
473 - أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ بَعْضُ وُلاَةِ الْمَدِينَةِ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَلَى بَعْضِ الْمَسَاعِي فَلَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ الْوَالِي: أَيْنَ الإِبِلُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: أَكَلْنَا لُحُومَهَا بِالْخُبْزِ قَالَ: فَأَيْنَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ؟ قَالَ: اعْتَقَدْنَا بِهَا الصَّنَائِعَ فِي رِقَابِ الرِّجَالِ فَحَبَسَهُ، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي السِّجْنِ بَعْضُ وَلَدِ نَهِيكِ بْنِ يَسَافٍ الأَنْصَارِيِّ فَمَدَحَهُ، فَقَالَ:
خَلِيلَيَّ، إِنَّ الْجُودَ فِي السِّجْنِ فَابْكِيَا ... عَلَى الْجُودِ إِذْ سُدَّتْ عَلَيْنَا مَرَافِقُهْ
تَرَى عَارِضَ الْمَعْرُوفِ كُلَّ عَشِيَّةٍ ... وَكُلَّ ضُحًى يَسْتَنُّ فِي السِّجْنِ بَارِقُهْ
إِذَا صَاحَ كَبْلاَهُ طَمَا فِيضُ بَحْرِهِ ... لِزُوَّارِهِ حَتَّى تَحُومَ غَرَانِقُهْ
فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ.

الصفحة 203