كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

474 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ لَحِقَهُ دَيْنٌ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ وَزَرْعٍ، فَخَافَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ، فَشَخَصَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ وَيَعْمِدُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيَّ، وَكَانَ يَلِي لِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعِرَاقَ، وَكَانَ يَبَرُّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ يُرِيدُهُ، وَأَعَدَّ لَهُ هَدَايَا مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَدِمَ فَيْدَ، فَأَصْبَحَ بِهَا وَنَظَرَ إِلَى فُسْطَاطٍ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَلَبِسَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَتَلَقَّاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فِي صَدْرِ فِرَاشِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ مَخْرَجِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِدَيْنِهِ وَمَا أَرَادَ مِنْ إِتْيَانِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَكَمُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ، فَلَوْ عَلِمْتُ بِمَقْدَمِكَ لَسَبَقْتُكَ إِلَى إِتْيَانِكَ، فَمَضَى مَعَهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، فَرَأَى الْهَدَايَا الَّتِي أَعَدَّ لِخَالِدِ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ مَنْزِلَنَا أَحْضَرُ عُدَّةً، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَنَحْنُ مُقِيمُونَ، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ قُمْتَ مَعِي إِلَى الْمَنْزِلِ، وَجَعَلْتَ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْهَدَايَا نَصِيبًا، فَقَامَ الرَّجُلُ مَعَهُ، فَقَالَ: خُذْ مِنْهَا مَا أَحْبَبْتَ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُمِلَتْ كُلُّهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَجَعَلَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى إِذَا صَارَ مَعَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ وَأَمَرَ بِالْهَدَايَا فَفُتِحَتْ، فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ مِنْهَا مَنْ حَضَرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِبَقِيَّتِهَا تُرْفَعُ إِلَى خِزَانَتِهِ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِكَ مِنْ خَالِدٍ وَأَقْرَبُ مِنْكَ رَحِمًا وَمَنْزِلاً، وَهَا هُنَا مَالٌ لِلْغَارِمِينَ أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مِنَّةٌ إِلاَّ لِلَّهِ، تَقْضِي بِهِ دَيْنَكَ، ثُمَّ دَعَا لَهُ بِكِيسٍ فِيهِ ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِينَارٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْخَطْوَةَ فَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ مُصَاحَبًا مَحْفُوظًا فَقَامَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ يَدْعُو لَهُ وَيَتَشَكَّرُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلاَّ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ، وَانْطلَقَ الْحَكَمُ يُشَيِّعُهُ فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَكَأَنِّي بِزَوْجَتِكَ قَدْ قَالَتْ لَكَ: أَيْنَ طَرَائِفُ الْعِرَاقِ، بَزُّهَا وَخَزُّهَا وَعُرَاضَاتِهَا؟ أَمَا كَانَ لَنَا مَعَكَ نَصِيبٌ؟ ثُمَّ أَخْرَجَ صُرَّةً قَدْ حَمَلَهَا مَعَهُ فِيهَا خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ جَعَلْتَ هَذِهِ لَهَا عِوَضًا مِنْ هَدَايَا الْعِرَاقِ وَوَدَّعَهُ وَانْصَرَفَ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ: جَهِدْتُ بِنَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ أَنْ يُخْبِرَنِي بِالرَّجُلِ فَأَبَى.

الصفحة 204