كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

475 - قَالَ زُبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا أَجَازَ لَنَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمَّيْهِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالاَ: كَانَ الْقُرَشِيُّ إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُهُ خَلَعَ النَّعْلَ الأُخْرَى، فَانْقَطَعَ شِسْعُ الْحَكَمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَخَلَعَ النَّعْلَ الأُخْرَى وَمَضَى، فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ إِنْسَانٌ نُوِبِيٌّ فَسَوَّى الشِّسْعَ وَجَاءَهُ بِالنَّعْلَيْنِ فِي مَنْزِلِهُ، فَقَالَ لَهُ: سَوَّيْتُ الشِّسْعَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا جَارِيَتَهُ بِثَلاَثِينَ دِينَارًا فَدَفَعَهَا إِلَى النُّوبِيِّ، وَقَالَ: ارْجِعْ بِالنَّعْلَيْنِ فَهُمَا لَكَ.
476 - قَالَ: وَفِيمَا أَجَازَ لَنَا زُبَيْرٌ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَوْفَلُ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو مَالِكٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هَرْمَةَ لِعَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هَرْمَةَ يَمْدَحُ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ:
تَصَبَّحَ أَقْوَامٌ عَنِ الْمَجْدِ، وَالْعُلَى ... فَأَضْحَوْا نِيَامَا وَهْوَ لَمْ يَتَصَبَّحِ
إِذَا كُدِّحَتْ أَعْرَاضُ قَوْمٍ بِلُؤْمِهِمُ ... نَجَا سَالِمًا مِنْ لُؤْمِهِمْ لَمْ يُكَدَّحِ
لِيُمْنِكَ إِنَّ الْمَجْدَ أَطْلَقَ رَحْلَهُ ... لَدَيْكَ عَلَى خِصْبٍ خَصِيبٍ وَمَسْرَحِ.
477 - وَزَعَمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي ضَمْرَةَ، قَالَ: مَرَّ الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بِسُوقِ الْغَنَمِ أَيَّامَ الْعِيدِ، فَعَرَضَ لَهُ حَرَسُ السُّوقِ فسلَّمُوا عَلَيْهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلاَمَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ أَثْمَانِ الضَّحَايَا، فَذَكَرُوا أَنَّهَا غَالِيَةٌ وَأَنَّهَا بِثَلاَثِينَ ثَلاَثِينَ. فَالْتَفَتَ إِلَى مَوْلَى أَبِيهِ، عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اشْتَرِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ شَاتَيْنِ مِمَّا يُشِيرُونَ لَكَ إِلَيْهِ ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَهُ فَمَضَى.
478 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ حَمْنَنَ بْنِ عَوْفِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَعْيُوفٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ بِمَنْبِجَ، قَالَ: وَلَقِيَ مِنْ الْمَوْتِ شِدَّةً، فَقُلْتُ - أَوْ قَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ - وَهُوَ فِي غَشْيَتِهِ: اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ، يُثْنِي عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَقَالَ: مَنِ الْمُتُكَلِّمُ؟ فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُ: أَنَا، قَالَ: فَإِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَقُولُ لَكَ: إِنِّي بِكُلِّ سَخِيٍّ رَفِيقٍ قَالَ: فَكَأَنَّمَا كَانَتْ فَتِيلَةٌ أَطْفِئَتْ قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمَّا بَلَغَ مَوْتُهُ ابْنَ هَرْمةَ قَالَ شِعْرًا:
سَالاَ عَنِ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ أَيْنَ هُمَا ... فَقُلْتُ إِنَّهُمَا مَاتَا مَعَ الْحَكَمِ
مَاتَا مَعَ الرَّجُلِ الْمُوفِي بِذِمَّتِهِ ... يَوْمَ الْحِفَاظِ إِذَا لَمْ يُوفَ بِالذِّمَمِ
مَاذَا بِمَنْبِجَ لَوْ تُنْبَشْ مَقَابِرُهَا ... مِنَ التَّهَدُّمِ بِالْمَعَرُوفِ وَالْكَرَمِ.

الصفحة 206