كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

482 - وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: دَخَلَ كُثَيِّرٌ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، فَأَنْشَدَهُ:
إِذَا ابْتدَرَ النَّاسُ الْمَكَارِمَ بَذَّهَا عَرَاضَةُ أَخْلاَقِ ابْنِ لَيْلَى وَطُولُهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَأُعْجِبَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: حُكْمَكَ يَا أَبَا صَخْرٍ قَالَ: أَحْتَكِمُ أَنْ أَكُونَ مَكَانَ ابْنِ رُمَّانَةَ، وَكَانَ ابْنُ رُمَّانَةَ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَ أَمْرِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: تَرَحًا لَكَ، وَمَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا وَلاَ عِلْمَ لَكَ بِخَرَاجِهِ وَلاَ بِكِتَابِهِ؟ اخْرُجْ عَنِّي فَنَدِمَ كُثَيِّرٌ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
عَجِبْتُ لأَخْذِي خُطَّةَ الْغَيِّ بَعْدَمَا ... بَدَا لِي مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبُولُهَا
وَأَمِّي صَعْبَاتِ الأُمُورِ أَرُوضُهَا ... وَقَدْ أَمْكَنَتْنِي قَبْلَ ذَاكَ ذَلُولُهَا
وَأَنْتَ امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ عُمَارَةٍ ... أَمُورٌ بِخَيْرَاتِ الأُمُورِ فَعُولُهَا
فَلَمْ أَرَ رَكْبًا جَاءَنَا لَكَ حَاذِيَا ... وَلاَ خُلَّةً يَزْرِي عَلَيْكَ دَخِيلُهَا
ذَرَا اللَّهُ فِي أَرضِ ابنِ لَيْلَى ... بَنَاتِهَا فَأَمْرَعَ جَوْفَاهَا وَبُورِكَ نِيلُهَا فَقَالَ: أَمَّا الْحُكْمُ فَلاَ، وَقَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا.
483 - وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ الأَخْطَلُ الشَّامَ عَلَى بَعْضِ بَنِي أَمَيَّةَ فَامْتدَحَهُ، فَأُخْبِرَ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، مُتَبَدِّيًا فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَكَانَتْ جَدَّتُهُ - أَمُّ أَمِّهِ - تَغْلِبِيَّةً، وَعَبْدُ اللهِ يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ، فَأَتَاهُ الأَخْطَلُ فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
فَمَنْ يَكُ سَائِلاً بِبَنِي سَعِيدٍ فَعَبْدُ اللهِ أَكْرَمُهُمْ نِصَابَا وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَنَاقَةٍ بِرَحْلِهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطَيْتَ أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا مَا أَعْطَيْتَهُ وَلَمْ تَسْتَمْدِحْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُرْضِيهِ الْيَسِيرُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: عَلَيَّ بِالأَخْطَلِ، فَجَاءَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُكَ وَلَمْ آمُرْكَ بِشَيْءٍ، فَهِيَ لَكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِذَا بَدَا لَكَ فَتَعَالَ.

الصفحة 209