كتاب الهم والحزن لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

74 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ أَمَرَ هَارُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَحَبَسَهُ دَهْرًا، قَالَ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: كَمْ للْحَزِينِ غَدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ فَرْحَةٍ تَسْتَوْعِبُ طُولَ حُزْنِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَاسْتَيْقَظْتُ فَزِعًا، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ فَرَّجَ اللَّهُ، وَأَخْرِجْنِي مِمَّا كُنْتُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَبْسِ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَأَهْلُونَا، قَالَ: فَأُرِيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ ذَلِكَ الآتِيَ قَدْ أَتَانِي، فَقَالَ: بَشِّرِ الْمَحْزُونِينَ بِطُولِ الْفَرَحِ غَدًا عِنْدَ مَلِيكِهِمْ، فَعَلِمْتُ وَاللَّهِ، أَنَّ الْحُزْنَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى خَيْرِ الآخِرَةِ لا عَلَى الدُّنْيَا، قَالَ يَزِيدُ: فَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ، إِنَّمَا هُوَ دَهْرَهُ بَاكِيَ الْعَيْنِ أَوْ يَتْبَعُ جَنَازَةً أَوْ يَعُودُ مَرِيضًا أَوْ يَلْتَزِمُ الْجَبَّانَ، وَكَانَ مَحْزُونًا جِدًّا.
75 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي السَّرِيُّ بْنُ يُحْيِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ رَبِّ أَيْنَ أَلْقَاكَ؟ قَالَ: تَلْقَانِي عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ.
76 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: بِقَدْرِ مَا تَفْرَحُ لِلدُّنْيَا، كَذَلِكَ تَخْرُجُ حَلاوَةُ الآخِرَةِ مِنْ قَلْبِكَ.
77 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ, قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: قَالَ فَيَّاضُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ لِي مُغِيثُ الأسْوَدُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ، قَالَ: قَالَ لِي بِدَيْرِ الْخَلْقِ: مَا لِي أَرَاكَ طَوِيلَ الْحُزْنِ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: طَالَتْ غَيْبَتِي وَبَعُدَتْ شُقَّتِي، وَشَقَّ عَلَيَّ السَّفَرُ جِدًّا، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ مِنْ عُمَّالِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ قُلْتُ: وَمَا أَنْكَرْتَ؟ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّ حُزْنَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِذَا أَنْتَ إِنَّمَا تَحُزْنُ لِغَيْرِكَ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمُرِيدَ حُزْنُهُ عَلَيْهِ جَدِيدٌ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ سَاعَاتُ فَرَحِهِ عِنْدَهُ سَاعَاتُ خَلَلِهِ هُوَ وَآلِهِ هُوَ بَاكٍ مَحْزُونٌ لَيْسَ لَهُ عَلَى الأرْضِ قَرَارٌ، وَإِنَّمَا تَرَاهُ وَالِهًا يَفِرُّ بِدِينِهِ مَشْغُولاً طَوِيلَ الْهَمِّ قَدْ عَلاهُ بِثُّهُ، هَمَّتْهُ الآخِرَهُ وَالْوَصْلَةُ إِلَيْهَا يَسْأَلُ النَّجَاةَ مِنْ شَرِّهَا ثُمَّ قَالَ: هَاهْ، هَاهْ، وَأَسْبَلَ دُمُوعَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ.

الصفحة 358