كتاب الهم والحزن لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

83 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: قُلْتُ لأبِي عُتْبَةَ الْخَوَّاصِ: إِلَى مَا يَنْتَهِي الْحُزْنُ؟، قَالَ: إِلَى الْكَمْدِ، قُلْتُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟، قَالَ: مِثْلُ أَنْ تَكُونَ دَهْرَكَ كَمِدًا حَزِينًا مُجَدِّدًا لِنَفْسِكَ مُصِيبَةً فِي إِثْرِ مُصْبِيَةٍ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو عُتْبَةَ، قَدْ بَكَى حَتَّى سَقَطَتْ أَشْفَارُ عَيْنَيْهِ.
84 - وحدثت عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَأَلْتُ رَاهِبًا، فَقُلْتُ: إِلَيَّ مَا يَنْتَهِي الْحُزْنُ؟، فَقَالَ: إِلَى الْكَمْدِ، قُلْتُ: إِلَى مَا يَنْتَهِي الْكَمْدُ؟ قَالَ: إِلَى تَلَفِ الأنْفُسِ، قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟، قَالَ: يُنَقِّي الْحُزْنُ فُضُولَ الْبَدَنِ مِنَ الْوَدكِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَخْلُقَ الدَّرَنَ بِجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ وَتَتَرَاكَمُ الأوْجَاعُ عَلَى الْقَلْبِ بِمَا يَهْدِهِ مِنْ دَوَاعِي الْفِكْرِ فَيَنْغَلُ الْقَلْبُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَقْرَحُ فَإِنِ انْظَمَأَ جَسَا فَهَذَى أَيْ مَاتَ، وَإِنِ اتَّفَقَا فَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي لَيْسَ يَنْفَعُهُ دَوَاءٌ.
85 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْفَضْلُ الرَّقَاشِيُّ: إِذَا كَمَدَ الْحَزِينُ فَتُرَ وَإِذَا فَتُرَ انْقَطَعَ.
86 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَتْ شِعْوانَةُ قَدْ كَمَدَتْ حَتَّى انْقَطَعَتْ عَنِ الصَّلاةِ وَالْعِبَادَةِ فَأَتَاهَا آتٍ فِي مَنَامِهَا، فَقَالَ:
أَذْرِي جُفُونَكِ أَمَا كُنْتِ شَاجِيَةً ... إِنَّ النِيَاحَةَ قَدْ تَشْفِي الْحَزِينِينَا
جَدِّي وَقُومِي وَصُومِي الدَّهْرَ دَائِبَةً ... فإِنَّمَا الدُؤْبُ مِنْ فِعْلِ الْمُطِيعِينَا
فَأَصْبَحَتْ فَأَخَذَتْ فِي التَرَنُّمِ وَالْبُكَاءِ فَسَلَّتْ وَرَاجَعْتِ الدُؤْبَ وَالْعَمَلَ.
87 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبسيِّ، يَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا بَكَى الْكَمِدُ تَفَرَّجَ، وَإِذَا تَفَرَّدَ الْعَبْدُ تَعَبَّدَ.

الصفحة 360