كتاب الهم والحزن لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

113 - وأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَيْغَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ كَثْرَةَ الدُّمُوعِ وَقِلَّتَهَا عَلَى قَدْرِ احْتِرَاقِ الْقَلْبِ، فَإِذَا احْتَرَقَ الْقَلْبُ كُلُّهُ لَمْ يَشَأِ الْحَزِينُ أَنْ يَبْكِي إِلاَّ بَكَى، وَالْقَلِيلُ مِنَ التَّذْكِرَةِ تُحْزِنُهُ.
114 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ، عَنْ رَاهَوَيْهَ، قَالَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: أَلا تَرَى إِلَى أَبِي عَلِيٍّ, يَعْنِي فُضَيلاً، لا تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَةٌ؟، فَقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا فَرِحَ الْقَلْبُ نَزَفَتِ الْعَيْنَانُ، ثُمَّ تَنَفَّسَ سُفْيَانُ تَنَفُّسًا مُنْكَرًا.
115 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ، حَدَّثَنِي خَلْفُ الْبَرَاثِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَجُلاً مِنَ الْعِبَادِ عَنِ الشَهِيقِ الَّذِي يَعْتَرِي الْبَاكِي بَعْدَ الْبُكَاءِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ بَدْءُ الْبُكَاءِ تَنَفُّسًا وزَفِيرًا وَآخِرُهُ شَهِيقًا، فَذَاكَ بُكَاءٌ مُوجِعٌ قْلِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ دَمْعَتُهُ سَائِلَةٌ فِي هُدُوءٍ وَرِفْقٍ فَتِلْكَ رِقَّةٌ فِي الْقُلُوبِ تَبْعَثُهَا إِلَى الْعُيُونِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ وَثَوَابٌ.
116 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ: أَنَّ شِهَابَ بْنَ عَبَّادٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: وَعَظَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ يَوْمًا، فَجَعَلَ فَتًى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَصْرُخُ، وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَلا أَرَى لَهُ دَمْعَةٌ تَسِيلُ، ثُمَّ سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ ذَرٍّ، يَبْكِي حَتَّى أَقُولَ: الآنَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي: إِنَّ الْعَقْلَ إِذَا طَاشَ فُقِدَتِ الْحُرَقَةُ، وَإِذَا فُقِدَتِ الْحُرَقَةُ قَلُصَتِ الدَمْعَةُ، وَإِذَا ثَبُتَ الْعَقْلُ فَهِمَ صَاحِبُهُ الْمَوْعِظَةَ فَأَحْرَقَتْهُ وَاللَّهِ، فَحَزَنَ وَبَكَى.
117 - حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الأصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: ذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ، رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَذَكَرَ عِبَادَتَهُ فَقَالَ لَهُ خَلَفُ بْنُ حَوْشَبَ، فَكَيْفَ كَانَتْ رِقَّتُهُ؟، قَالَ: ذَهَبَتْ رِقَّتُهُ، أَمَا رَأَيْتَ الثَّكْلَى تَكْمِدُ.
118 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ، يَقُولُ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ طُولُ الْحُزْنِ.

الصفحة 366