كتاب الهم والحزن لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

130 - حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُرَجًّى بْنِ وَدَاعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: عَيَّرُوا أَعْمَالَهُمْ بِالْحُزْنِ، فَأُعْطُوا الْفَرَحَ وَالأمَانَ, تَجَشَّمُوا مَشَقَّةَ الدُّنْيَا، وَشَغَلُوا فِيهَا أَنْفُسَهُمْ عَنْهَا لآخِرَتِهِمْ، فَأَشْعَرُوا الْخَشْيَةَ قُلُوبَهُمْ, ذَهَلُوا عَنْ أَزْوَاجِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ، فَزُوِّجُوا الْحُورَ الْعَيْنَ، وَأُخْدِمُوا الْغِلْمَانَ الْمُخَلَّدِينَ فِي آخِرَتِهِمْ، وَاخْتَارُوا التَّوَاضُعَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ مَنَازِلُهُمْ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصَةٌ بُطُونُهُمْ خَفِيفَةٌ ظُهُورُهُمْ نَقِيَّةٌ جُلُودُهُمْ رَضُّوا خَالِقَهُمْ فَأَرْضَاهُمْ.
131 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ النَخْعِيِّ، قَالَ: كَبُرَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتَّى سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: طُولُ الزَّمَانِ وَكَثْرَةُ الأحْزَانِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا يَعْقُوبُ، تَشْكُونِي؟ قَالَ: رَبِّ خَطِيئَةٌ أَخْطَأْتُهَا فَاغْفِرْهَا لِي.
132 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَاشِدٌ أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الْخَلْقَانِيُّ، قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا خَمصُوا لَهُ الْبُطُونَ عَنْ مَطَاعِمِ الْحَرَامِ، وَغَضُّوا لَهُ الْجُفُونَ عَنْ مَنَاظِرِ الآثَامِ، وَ أَهْمَلُوا لَهُ الْعُيُونَ لَمَّا اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْكَلامُ، رَجَاءَ أَنْ تَبِينَ ظُلْمَةُ قُبُورِهُمْ، إِذَا تَضَمَّنَتْهُمُ الأرْضُ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا؛ فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُكْتَئِبُونَ؛ وَإِلَى الآخِرَةِ مُتَطَلِّعُونَ, بَعُدَتْ أَبْصَارُ قُلُوبِهِمْ بِالْغَيْبِ إِلَى الْمَلَكُوتِ، فَرَأَتْ فِيهِ مَا رَاجَتْ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ، فَازْدَادُوا وَاللَّهِ بِذَلِكَ جِدًّا وَاجْتِهَادًا عِنْدَ مُعَايَنَةِ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ آمَالُهُمْ، فَهُمُ الَّذِينَ لا رَاحَةَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُمُ الَّذِينَ تُقَرُّ أَعْيُنُهُمْ غَدًا بِطَلْعَةِ ذَلِكَ الْمَوْتِ عَلَيْهِمْ، قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتُهُ.

الصفحة 369