كتاب الهم والحزن لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

140 - حدثنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ دَاوُدَ بن الْمُحَبَّرِ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: رُبَّمَا سَهِرَتُ لَيْلَتِي مُفَكِّرًا فِي طُولِ حُزْنِهِ, يَعْنِي عُتْبَةَ, لَقَدْ كَلَّمْتُهُ لِيَرْفُقَ بِنَفْسِهِ فَبَكَى، وَقَالَ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى تَقْصِيرِي.
141 - وأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حدثنِي سِجْفُ بْنُ مَنْظُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَوَّارٌ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَطَاءً السُّلَيْمِيَّ قَطُّ إِلاَّ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، وَمَا كُنْتُ أُشَبِّهُ عَطَاءً إِذَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ بِالْمَرْأَةِ الثَّكْلَى، وَكَأَنَّ عَطَاءً لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا.
142 - وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحْرِزٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُرِّيُّ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَطَاءٌ السُّلَيْمِيُّ، حَزِنْتُ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا فَرَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلَسْتَ فِي زُمْرَةِ الْمَوْتَى؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَمَاذَا صِرْتَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: صِرْتُ وَاللَّهِ إِلَى خَيْرٍ كَثِيرٍ وَرَبٍّ غَفُورٍ شَكُورٍ، قَالَ: قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتَ طَوِيلَ الْحُزْنِ فِي دَارِ الدُّنْيَا, قَالَ: فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ، يَا أَبَا بِشْرٍ أَعْقَبَنِي ذَلِكَ رَاحَةً طَوِيلَةً وَفَرَحًا دَائِمًا، قُلْتُ: فَفِي أَيِّ الدَّرَجَاتِ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
143 - حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: قَالَ جَلِيسٌ لِعَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَاشْتَدَّ عَجَبِي مِنْهُمَا رَجُلٌ لَيْلُهُ قَائِمٌ وَنَهَارُهُ صَائِمٌ، وَاجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ؛ لا تَلَقَاهُ أَبَدًا إِلاَّ بَاكِيًا مَهْمُومًا مَحْزُونًا، وَرَجُلٌ لَيْلُهُ نَائِمٌ، وَنَهَارُهُ لاعِبٌ وَيرتكبُ الْمَحَارِمَ؛ لا تَلَقَاهُ أَبَدًا إِلاَّ أَشِرًّا بَطِرًا مِضْحَاكًا، قَالَ: لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ عَجِبٍ يَبْكِي هَذَا وَيَحْزَنُ لِشِدَّةِ عَقْلِهِ وَحُسْنِ عِلْمِهِ، وَيَأْشِرُ هَذَا وَيَبْطَرُ وَيَضْحَكُ لِقِلَّةِ عَقْلِهِ وَضَعْفِ عِلْمِهِ.

الصفحة 372