كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

أَنْجَزَ مَا وَعَدَ مِنْ شَقِّ الْقَمَرْ اللَّهُ أَكْبَرُ النَّبِيُّ قَدْ ظَهَرْ. فَأَقْبَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَهَرَ وَدَعَا إِلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمْتُ فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا كُنْتُ عِنْدَ ذَبْحٍ لَهُمْ إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ مِنْ جَوْفِهِ يَالَذُرَيْحٍ يَالَذُرَيْحٍ صَائِحٌ يَصِيحُ بِأَمْرٍ فَلِيحٍ وَرُشْدٍ نَجِيحٍ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَأَقْبَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ظَهَرَ وَدَعَا إِلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمْتُ، وَقَالَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ: وَأَنَا أَضْلَلْتُ إِبِلاَ لِي فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِنَّ حَتَّى كُنْتُ بِأَبْرَقِ الْعَزَّافِ فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي ثُمَّ عَقَلْتُهَا ثُمَّ أَنْشَأْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي أَعُوذُ بِعَظِيمِ هَذَا الْوَادِي ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى جَمَلِي فَإِذَا هَاتِفٌ مِنَ اللَّيْلِ يَهْتِفُ وَيَقُولُ:
أَلاَ فَعُذْ بِاللَّهِ ذِي الْجَلاَلِ
ثُمَّ اقْرَأْ آيَاتٍ مِنَ الأَنْفَالِ
وَوَحِّدِ اللَّهَ وَلاَ تُبَالِ
مَتا هَوَّلُ الْجِنُّ مِنَ الأَهْوَالِ فَانْتَبَهْتُ فَزِعًا فَقُلْتُ:
يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ مَا تَقُولُ
أَرُشْدٌ عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ فَأَجَابَنِي:
هَذَا رَسُولُ اللهِ ذُو الْخَيْرَاتِ
بِيَثْرِبٍ يَدْعُو إِلَى النَّجَاةِ
وَيَزَعُ النَّاسَ عَنِ الْهَنَاتِ
يَأْمُرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصَّلاَةِ
فَوَقَعَ قَوْلُهُ فِي قَلْبِي فَقُمْتُ إِلَى جَمَلِي فَحَلَلْتُ عِقَالَهُ ثُمَّ اسْتَوَيْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ:
فَأَرْشِدَنِّي رُشْدًا هُدِيتَا
لاَ جُعْتَ مَا عِشْتَ وَلاَ عَرِيتَا
بَيِّنْ لِيَ الرُّشْدَ الَّذِي أُوتِيتَا
فَأَجَابَنِي:
صَاحَبَكُ اللَّهُ وَسَلَّمَ نَفْسَكَا
وَعَظَّمَ الأَجْرَ وَأَدِّ رَحْلَكَا
آمِنْ بِهِ أَفْلَحَ رَبِّي كَعْبَكَا
وَابْذَلْ لَهُ حَتَّى الْمَمَاتِ نَصْرَكَا
قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَالِكُ بْنُ مَالِكٍ سَيِّدُ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنْتُ بِهِ وَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ وَأَرْسَلَنِي إِلَى جِنِّ نَجْدٍ أَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ فَالْحَقْ بِهِمْ يَا خُرَيْمُ وَآمِنْ بِهِ فَأَمَّا إِبِلُكَ فَقَدْ كُفِيتَهَا حَتَّى تَأْتِيَكَ فِي أَهْلِكَ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَجِئْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَافَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقُلْتُ: أَنُيِخُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا صَلَّى دَخَلْتُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَلَمَّا أَنَخْتُ رَاحِلَتِي إِذَا أَبُو ذَرٍّ قَدْ خَرَجَ لِي فَقَالَ: يَا خُرَيْمُ مَرْحَبًا بِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي إِلَيْكَ وَهُوَ يَقُولُ: مَرْحَبًا قَدْ بَلَغَنِي إِسْلاَمُكَ ادْخُلْ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: قَدْ وَفَّى لَكَ صَاحِبُكَ وَقَدْ بَلَّغَ لَكَ الإِبِلَ وَهِيَ بِمَنْزِلِكَ.

الصفحة 429