كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

95 - حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَنَسٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ كَانَ فِي لِقَاحٍ لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ إِذْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ نَعَامَةٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهَا رَاكِبٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ فَقَالَ لِي: يَا عَبَّاسُ بْنَ مِرْدَاسٍ أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّمَاءَ حُفَّتْ أَحْرَاسُهَا وَأَنَّ الْجِنَّ جُرِّعَتْ أَنْفَاسُهَا وَأَنَّ الْخَيْلَ وَضَعَتْ أَحْلاَسَهَا وَأَنَّ الَّذِي نَزَلِ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَوْمَ الاِثْنَيْنِ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ صَاحِبُ النَّاقَةِ الْقَصْوَاءِ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَرْعُوبًا قَدْ رَاعَنِي مَا رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ حَتَّى أَتَيْتُ وَثَنًا لَنَا يُقَالُ لَهُ الضِّمَارُ كُنَّا نَعْبُدُهُ وَنُكَلَّمُ مِنْ جَوْفِهِ فَكَنَسْتُ مَا حَوْلَهُ ثُمَّ تَمَسَّحْتُ بِهِ فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ مِنْ جَوْفِهِ:
قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلِّهَا ... هَلَكَ الضِّمَارُ وَفَازَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ
هَلَكَ الضِّمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ مُدَّةً ... قَبْلَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
إِنَّ الَّذِي جَا بِالنُّبُوَّةِ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِ
قَالَ: فَخَرَجْتُ مَذْعُورًا حَتَّى جِئْتُ قَوْمِي فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ وَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ فَخَرَجْتُ فِي ثَلاَثِ مِئَةٍ مِنْ قَوْمِي مِنْ بَنِي الْحَارِثِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ وَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، كَيْفَ إِسْلاَمُكَ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: صَدَقْتَ فَأَسْلَمْتُ أَنَا وَقَوْمِي.
96 - حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ نَصْرٍ الدَّالاَنِيُّ، مِنْ هَمْدَانَ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا لَنَا يَذْكُرُ قَالَ: خَرَجَ مَالِكُ بْنُ خُرَيْمٍ الدَّالاَنِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُرِيدُونَ عُكَاظًا فَاصْطَادُوا صَيْدًا وَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ فَانْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أُجَيْرَةُ فَفَصَدُوا الظَّبْيَ وَجَعَلُوا يَشْرَبُونَ مِنْ دَمِهِ مِنَ الْعَطَشِ فَلَمَّا ذَهَبَ دَمُهُ ذَبَحُوهُ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْحَطَبِ وَكَمَنَ مَالِكٌ فِي خِبَائِهِ فَأَثَارَ بَعْضُهُمْ شُجَاعًا فَأَقْبَلَ مُنْسَابًا حَتَّى دَخَلَ رَحْلَ مَالِكٍ فَلاَذَ بِهِ وَأَقْبَلَ الرَّجُلُ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: يَا مَالِكُ اقْتُلِ الشُّجَاعَ عَنْكَ، فَاسْتَيْقَظَ مَالِكٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَلاَذَ بِهِ فَقَالَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ تَرَكْتَهُ، فَكَفَّ عَنْهُ وَانْسَابَ الشُّجَاعُ إِلَى مَأْمَنِهِ وَأَنْشَأَ مَالِكٌ يَقُولُ:
وَأَوْصَانِي الْخُرَيْمُ بِعِزِّ جَارِي ... وَأَمْنَعُهُ وَلَيْسَ بِهِ امْتِنَاعُ
وَأَدْفَعُ ضَيْمَهُ وَأَذُبُّ عَنْهُ ... وَأَمْنَعُهُ إِذَا امْتَنَعَ الْمَتَاعُ
درا الله أني عَنْهُ ينحو ... لِشَيْءٍ مَا اسْتَجَارَنِيَ الشُّجَاعُ
وَلاَ تَنْحُو إِلَى دَمِ مُسْتَجِيرٍ ... تَضَمَّنَهُ أُجَيْرَةُ فَالتِّلاَعُ
فَإِنَّ لِمَا تَرَوْنَ غَبِيَّ أَمْرٍ ... لَهُ مِنْ دُونِ أَعْيُنِكُمْ قِنَاعُ
فَارْتَحَلُوا وَاشْتَدَّ بِهِمُ الْعَطَشُ فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِهِمْ:
يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ لاَ مَاءٌ أَمَامَكُمُ ... حَتَّى تَسُومُوا الْمَطَايَا يَوْمَهَا التَّعَبَا
ثُمَّ اعْدِلُوا شَامَةً فَالْمَاءُ عَنْ كَثَبٍ ... عَيْنٌ رُوَاءٌ وَمَاءٌ يُذْهِبُ اللَّغَبَا
حَتَّى إِذَا مَا أَصَبْتُمْ مِنْهُ رِيَّكُمُ ... فَاسْقُوا الْمَطَايَا وَمِنْهُ فَامْلَئُوا الْقِرَبَا
فَعَدَلُوا شَامَةً فَإِذَا هُمْ بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ فِي أَصْلِ جَبَلٍ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا إِبِلَهُمْ وَحَمَلُوا رِيَّهُمْ حَتَّى أَتَوْا عُكَاظًا ثُمَّ أَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَإِذَا هَاتِفٌ يَقُولُ:
يَا مَالِ عَنِّي جَزَاكَ اللَّهُ صَالِحَةً ... هَذَا وَدَاعٌ لَكُمْ مِنِّي وَتَسْلِيمُ
لاَ تَزْهَدَنْ فِي اصْطِنَاعِ الْعُرْفِ مَعْ أَحَدٍ ... إِنَّ الَّذِي يُحْرَمُ الْمَعْرُوفَ مَحْرُومُ
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لاَ يَعْدَمْ مَغَبَّتَهُ ... مَا عَاشَ وَالْكُفْرُ بَعْدَ الْغَدْرِ مَذْمُومُ
أَنَا الشُّجَاعُ الَّذِي أَنْجَيْتَ مِنْ رَهَقٍ ... شَكَرْتُ ذَلِكَ إِنَّ الشُّكْرَ مَقْسُومُ
فَطَلَبُوا الْعَيْنَ فَلَمْ يَجِدُوهَا.

الصفحة 433