كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

120 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ فِي بُسْتَانٍ بِمِصْرَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَهْمُومٌ حَزِينٌ يَنْكُتُ بِشَيْءٍ مَعَهَ فِي الأَرْضِ إِذَا شَيْخٌ لَهُ صَاحِبُ مِسْحَاةٍ فَقَالَ لَهُ: مَا لِي أَرَاكَ مَهْمُومًا حَزِينًا؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَأَنَّهُ ازْدَرَاهُ فَقَالَ: لاَ شَيْءَ، فَقَالَ صَاحِبُ الْمِسْحَاةِ: أَلِلدُّنْيَا؟ فَإِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالآخِرَةُ أَجَلٌ صَادِقٌ يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّهَا مَفَاصِلُ كَمَفَاصِلِ اللَّحْمِ مَنْ أَخْطَأَ شَيْئًا أَخْطَأَ الْحَقَّ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ قَالَ: فَقَالَ: اهْتِمَامِي لِمَا فِيهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ سَيُنَجِّيكَ بِشَفَقَتِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَسَلْ فَمَنْ ذَا الَّذِي سَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ وَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكْفِهِ أَوْ وَثِقَ بِهِ فَلَمْ يُنَجِّهِ؟ قَالَ: فَطَفِقْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي قَالَ: فَانْجَلَتْ وَلَمْ أُصَبْ فِيهَا بِشَيْءٍ. قَالَ مِسْعَرٌ: يَرَوْنَ أَنَّهُ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
121 - حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّومِيُّ الْيَامِيُّ، قَالَ: اسْتُودِعَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَدِيعَةٌ فَاحْتَاجَ إِلَيْهَا فَأَنْفَقَهَا فَجَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُهَا فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، فَصَلَّى وَدَعَا فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ: يَا سَادَّ الْهَوَاءِ بِالسَّمَاءِ وَيَا كَابِسَ الأَرْضِ عَلَى الْمَاءِ، وَيَا وَاحِدًا قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ كَانَ، وَيَا وَاحِدًا بَعْدَ كُلِّ أَحَدٍ كَانَ، أَدِّ عَنِّي أَمَانَتِي فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ خُذْ هَذِهِ فَأَدِّهَا عَنْ أَمَانَتِكَ وَأَقْصِرْ فِي الْخُطْبَةِ فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي.
122 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ حَاتِمٍ، وَكَانَ مِنَ الْعَابِدِينَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَانَ قَلَّمَا يَخْلُو مِنَ الْمُتَهَجِّدِينَ قَالَ: قُمْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَمَا قَدْ مَضَى وَقْتٌ طَوِيلٌ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَهَجِّدًا فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ اللَّيْلَةَ لاَ أَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا يُصَلِّي؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأُفَكِّرُ فِي ذَلِكَ فِي نَفْسِي إِذْ سَمِعْتُ قَائِلاَ يَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْقُبَّةِ الَّتِي عَلَى الصَّخْرَةِ كَلِمَاتٍ كَادَ وَاللَّهِ أَنْ يُصْدَعَ بِهِنَّ قَلْبِي كَمَدًا وَاحْتِرَاقًا وَحُزْنًا
قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، وَمَا قَالَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بِصَوْتٍ حَزِينٍ:
فَوَاعَجَبًا لِلنَّاسِ لَذَّتْ عُيُونَهُمْ ... مَطَاعِمُ غُمْضٍ بَعْدَهُ الْمَوْتُ مُنْقَضِبْ
فَطُولُ قِيَامِ اللَّيْلِ أَيْسَرُ مُؤْنَةً ... وَأَهْوَنُ مِنْ نَارٍ تَفُورُ وَتَلْتَهِبْ
قَالَ: فَسَقَطْتُ وَاللَّهِ لِوَجْهِي وَذَهَبَ عَقْلِي فَلَمَّا أَفَقْتُ نَظَرْتُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُتَهَجِّدٌ إِلاَّ قَامَ.

الصفحة 447