كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

160 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَاحَتِ الْجِنُّ عَلَى عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ بِثَلاَثٍ قَالَتْ:
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ
وَلِيتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا ... بَوَائِجَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ
فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بِالأَمْسِ يُسْبَقِ
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ ... بِكَفَّيْ سَبَنْتَى أَزْرَقِ الْعَيْنِ مُطْرِقِ
فَيَا لَقَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَظْلَمَتْ ... لَهُ الأَرْضُ وَاهْتَزَّ الْعِضَاهُ بِأَسْوُقِ
فَلَقَّاكَ رَبِّي بِالْجِنَانِ تَحِيَّةً ... وَمِنْ كِسْوَةِ الْفِرْدَوْسِ لا تَتَخَرَّقِ.
161 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَاهِلَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَخَوَانِ بَيْنَهُمَا مَوَدَّةٌ فَتَصَارَمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الصَّرْمَ فَدُفِنَ بِالدَّوْمِ فَمَرَّ الْبَاقِي بِقَبْرِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يُعَرِّجْ علَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنَ الْقَبْرِ:
أَجِدَّكَ تَطْوِي الدَّوْمَ لَيْلاَ وَلاَ تَرَى ... عَلَيْكَ لأَهْلِ الدَّوْمِ أَنْ تَتَكَلَّمَا
وَبِالدَّوْمِ ثَاوٍ لَوْ ثَوَيْتَ مَكَانَهُ ... فَمَرَّ بِأَهْلِ الدَّوْمِ عَاجَ وَسَلَّمَا
فَأُجِيبَ:
أَعُدُّ ذَنُوبًا فِيكَ كُنْتُ اجْتَرَمْتُهَا ... فَلاَ أَنَا فِيهَا كُنْتُ أَسْوَا وَأَظْلَمَا
تَرَكْتُكَ فِي طُولِ الْحَيَاةِ وَأَبْتَغِي ... كَلاَمَكَ لَمَّا كُنْتَ رَسْمًا وَأَعْظُمَا
قَالَ: فَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ آلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ صَاحِبَهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُ.
162 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي يَاسِينَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ الْحَسَنِ قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ فَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ وَقَعَدْنَا بَعْدَهُ نَتَحَدَّثُ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: فَدَخَلَ بَدَوِيُّ مِنْ بَعْضِ أَعْرَابِ بَنِي سُلَيْمٍ الْمَسْجِدَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ، مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؟ فَقُلْتُ: لَهُ اقْعُدْ فَقَعَدَ فَقُلْتُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَكَانَ لِي أَخٌ مِنْ أَشَدِّ قَوْمِهِ فَعَرَضَ لَهُ بَلاَءٌ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى شَدَدْنَاهُ فِي الْحَدِيدِ وَكُنَّا مَعَهُ فِي عَنَاءٍ فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَحَدَّثُ فِي نَادِينَا إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ يَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَلاَ نَرَى أَحَدًا فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ إِنَّا جَاوَرْنَاكُمْ فَلَمْ نَرَ بِجَوَارِكُمْ بَأْسًا وَلَمْ نَرَ مِنْكُمْ إِلاَّ خَيْرًا وَإِنَّ سَفِيهًا لَنَا تَعَرَّضَ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا فَأَرَدْنَاهُ عَلَى تَرْكِهِ فَأَبَى فَلَمَّا رَأَيْنَا ذَلِكَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَعْتَذِرَ إِلَيْكُمْ، يَا فُلاَنُ لأَخِيهِ: انْظُرْ إِذَا كَانَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا فَاجْمَعْ قَوْمَكَ ثُمَّ شُدَّهُ وَاسْتَوْثِقُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِنْ يَفْلِتُكُمْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ أَبَدًا ثُمَّ احْمِلْهُ عَلَى بَعِيرٍ فَأْتِ بِهِ وَادِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ خُذْ مِنْ بَقْلَةِ الْوَادِي قَرْصَةً ثُمَّ أَوْجِرْهُ إِيَّاهُ وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ إِنْ يَنْفَلِتْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ أَبَدًا فَاسْتَوْثِقُوا مِنْهُ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ فَمَنْ يَدُلُّنِي عَلَى هَذَا الْوَادِي وَعَلَى هَذَا الْبَقْلِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فَإِنَّكَ تَسْمَعُ صَوْتًا أَمَامَكَ فَاتَّبِعِ الصَّوْتَ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ جَمَعْتُ قَوْمِي فَإِذَا أَخِي لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ قُوَّةً وَشِدَّةً فَلَمْ نَزَلْ نُعَالِجُهُ حَتَّى اسْتَوْثَقْنَاهُ ثُمَّ حَمَلْتُهُ عَلَى بَعِيرٍ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ أَمَامِي إِلَيَّ فَلَمْ نَزَلْ نَتَّبِعُ الصَّوْتَ وَهُوَ يَقُولُ إِلَيَّ فُلاَنُ اسْتَوْثِقُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِنْ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ فَلَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: اهْبِطْ هَذَا الْوَادِي، قَالَ: أَنِخْ وَاسْتَوْثِقُوا مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبُنَا لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ شِدَّةً وَقُوَّةً فَاسْتَوْثَقْنَا مِنْهُ فَقَالَ: يَا فُلاَنُ، قُمْ فَخُذْ مِنْ هَذَا الْبَقْلُ فَافْعَلْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى فَعَلْنَا مَا أَمَرَنَا وَهُوَ يَقُولُ: اسْتَوْثِقُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِنْ يَنْفَلِتْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَالَ: فَإِذَا نَحْنُ لاَ نُطِيقُ صَاحِبَنَا فَجَعَلَ يُنَادِي اسْتَوْثِقُوا مِنْهُ حَتَّى أَوْثَقْنَاهُ فَلَمَّا وَقَعَ فِي جَوْفِهِ جَلَّى عَنَّا وَعَنْ نَفْسِهِ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ: يَا أَخِي مَا بَلَغَ مِنْ أَمْرِي حَتَّى فَعَلْتُمْ بِي هَذَا؟ قَالَ: قُلْتَ: يَا أَخِي لاَ تَسْأَلْنَا قَالَ: يَا أَخِي أَخْبِرْنِي مَا

الصفحة 458