كتاب الوجل والتوثق بالعمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

مُلْكِكُمْ، وَالذَّبِّ عَنْ رَعِيَّتِكُمْ، فَسَلِّمُوا ذَلِكَ لِمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَلأكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالاِخْتِلافَ، فَتُهْلِكُونَ أَنْفُسَكُمْ وَرَعِيَّتَكُمْ، قَالُوا: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِطُولِ مُدَّتِكَ، وَيَمْنَعُ رَعِيَّتَكَ فَقْدَ سِيَاسَتِكَ قَالَ: دَعُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَأَقْبِلُوا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكُمْ مِنْ هَذَا الْعَهْدِ الَّذِي فِيهِ قِوَامُ أَمْرِكُمْ، وَصَلاحُ دِينِكُمْ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لاَ بُدُّ مِنْهُ، فَلَمْ تَمُرَّ بِهِمْ لَيْلَةٌ حَتَّى هَلَكَ فَدَبَّ أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ نَفَرٍ إِلَى السِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَ إِلَيْهِمُ اخْتِيَارَ الْمَلِكِ، فَصَارَ كُلُّ رَجُلَيْنِ مِنَ السِّتَّةِ يَدْعُوَانِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الثَّلاثَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ حُكَمَاؤُهُمْ وَأَهْلُ الرَّأْيِ مِنْهُمْ قَالُوا: يَا مَعْشَرَ السِّتَّةِ الَّذِينَ جُعِلَ إِلَيْهِمُ الاِخْتِيَارُ، قَدِ افْتَرَقَتْ كَلِمَتُكُمْ، وَاخْتَلَفَ رَأْيُكُمْ، وَبِحَضْرَتِكُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِكُمْ مِمَّنْ لاَ يُتَّهَمُ فِي حُكْمِهِ، وَمِمَّنْ يُرْجَى الْيُمْنُ وَالْبَرَكَةُ فِي اخْتِيَارِهِ، فَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْكُمْ سَلَّمْتُمْ هَذَا الأَمْرَ لَهُ وَكَانَ فِي جَبَلٍ بِحَضْرَتِهِمْ رَجُلٌ سَائِحٌ يُقَالُ لَهُ أَنْطُونِسُ فِي غَارٍ مَعْرُوفٍ مَكَانُهُ، قَدْ تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ بِالرِّضَا بِمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ السَّائِحُ مِنَ الثَّلاثَةِ نَفَرٍ، فَوَكَّلُوا بِالْمَمْلَكَةِ رَجُلا مِنَ السِّتَّةِ، وَانْطَلَقَ الثَّلاثَةُ نَفَرٍ إِلَى ذَلِكَ السَّائِحِ، فَاقْتَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمْ، وَأَعْلَمُوهُ رِضَاهُمْ بِمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمُ السَّائِحُ: مَا أَرَانِي انْتَفَعْتُ بِاعْتِزَالِي عَنِ النَّاسِ، وَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِي مَنْزِلٍ غَشِيَهُ الذُّبَابُ فِيهِ، فَتَحَوَّلَ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ يَرْجُو فِيهِ السَّلامَةَ فَغَشِيَهُ فِيهِ الأَسَدُ، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ السَّبُعُ الَّذِي تَنَحَّيْتُ عَنْهُ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنَ السَّبُعِ الَّذِي غَشِيَنِي فِي مَنْزِلِي، وَمَا هَذَا لِي بَمَنْزِلٍ، قَالُوا: هَذَا أَمْرٌ دَعَانا إِلَيْهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ، وَالرُّشْدِ، وَالْيُمْنِ فِي رَأْيِكَ، وَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ تُشِيرَ إِلَى أَفْضَلِنَا فِي نَفْسِكَ فَتُوَلِّيَهُ هَذَا الأَمْرَ قَالَ: وَمَا عِلْمِي بِأَفْضَلِكُمْ؟ وَأَنْتُمْ جَمِيعًا تَطْلُبُونَ أَمْرًا وَاحِدًا أَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، فَطَمِعَ بَعْضُهُمْ إِنْ هُوَ أَظْهَرَ الْكَرَاهِيَةَ لِلْمَلِكِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ،

الصفحة 473