كتاب الوجل والتوثق بالعمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

قَالُوا: مَا اللَّذَّاتُ؟ وَبِمَاذَا قَطَعْتَهُنَّ؟ قَالَ: اللَّذَّاتُ: الْمَالُ، وَالْبَنُونَ، وَالأَزْوَاجُ، وَالسُّلْطَانُ، فَقَطَعْتُهُنَّ بِالْهُمُومِ، وَالأَحْزَانِ، وَالْخَوْفِ، وَبِذِكْرِ الْمَوْتِ الْمُنَغِّصِ لِلَّذَّاتِ، وَقَطَعْتُ ذَلِكَ أَجْمَعَ بِالْعُزْلَةِ وَتَرْكِ الاِهْتِمَامِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، فَلا أَحْزَنُ عَلَى أَحَدٍ هَلَكَ فِيهَا، وَلا أَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ , فَمَا خَيْرٌ فِي لَذَّةٍ وَهَذَا الْمَوْتُ يَقْفُوهَا؟ وَأَيُّ دَارٍ شَرٌّ مِنْ دَارِ الْفَجَائِعِ جِوَارًا؟ كُونُوا كَرَجُلٍ يُسَافِرُ يَلْتَمِسُ الْفَضْلَ، فَغَشَى مَدِينَتَهُ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا الْعَدُوُّ، فَأَصَابُوا أَهْلَهَا بِالْبَلاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَسَلِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي مَخْرَجِهِ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا صَرَفَ عَنْهُ، فَأَنَا مُعْتَزِلٌ فِي مَنْزِلِي هَذَا عَنِ أَهْلِ الْخَطَايَا أَتَذَكَّرُ الْمَوْتِ الَّذِي يَكْرَهُهُ النَّاسُ، وَأَجِدُ لِذِكْرِهِ حَلاوَةً لِلِقَاءِ رَبِّي، وَلَقَدْ عَجِبْتُ لأَهْلِ الدُّنْيَا، كَيْفَ يَنْتَفِعُونَ بِلَذَّاتِهَا مَعَ هُمُومِهَا، وَأْحَزَانِهَا، وَمَا تُجَرِّعُهُمْ مِنْ مَرَارَتِهَا بَعْدَ حَلاوَتِهَا.
وَاشْتَدَّ عَجَبِي مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ النَّظَرِ فِي سَلامَةِ أَبْدَانِهِمْ؟ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُهْلِكُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا هَلَكَ صَاحِبُ الْحَيَّةِ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَانَ مَثَلُ صَاحِبِ الْحَيَّةِ؟ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ حَيَّةٌ سَاكِنَةٌ فِي جُحْرٍ قَدْ

الصفحة 477