كتاب الوجل والتوثق بالعمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

عَرَفُوا مَكَانَهَا، وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَيَّةُ تَبِيضُ كُلَّ يَوْمٍ بَيْضَةً مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهَا مِثْقَالٌ، فَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ مُغْتَبِطٌ مَسْرُورٌ بِمَكَانِ تِلْكَ الْحَيَّةِ، يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ جُحْرِهَا بَيْضَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَكْتُمُوا أَمْرَهَا، فَكَانَتْ كَذَلِكَ لأَشْهُرٍ، ثُمَّ إِنَّ الْحَيَّةَ خَرَجَتْ مِنْ جُحْرِهَا فَأَتَتْ عَنْزًا لأَهْلِ الدَّارِ حَلُوبًا يَنْتَفِعُونَ بِهَا فَنَهَشَتْهَا فَهَلَكَتِ الْعَنْزُ. فَجَزِعَ لِذَلِكَ الرَّجُلُ وَأَهْلُهُ، وَقَالُوا: الَّذِي نَصِيبُ مِنَ الْحَيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْعَنْزِ، وَاللَّهُ يُخْلِفُ ذَلِكَ مِنْهَا. فَلَمَّا أَنْ كَانَ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ عَدَتْ عَلَى حِمَارٍ لَهُ كَانَ يَرْكَبُهُ فَنَهَشَتْهُ فَقَتَلَتْهُ، فَجَزِعَ لِذَلِكَ الرَّجُلُ، وَقَالَ: أَرَى هَذِهِ الْحَيَّةَ لاَ تَزَالُ تُدْخِلُ عَلَيْنَا آفَةً، وَسَنَصْبِرُ لِهَذِهِ الآفَاتِ مَا لَمْ تَعْدُ الْبَهَائِمَ. ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ عَامَانِ لاَ تُؤْذِيهِمُ فَهُمْ مَسْرُورُونَ بِجِوَارِهَا، مُغْتَبِطُونَ بِمَكَانِهَا، إِذْ عَدَتْ عَلَى عَبْدٍ كَانَ لِلرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ غَيْرُهُ فَنَهَشَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَغَاثَ الْعَبْدُ بِمَوْلاهُ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَفَسَّخَ لَحْمُهُ، فَجَزِعَ الرَّجُلُ وَقَالَ: أَرَى سُمَّ هَذِهِ الْحَيَّةِ قَاتِلا لِمَنْ لَسَعَتْهُ، مَا آمَنُ أَنْ تَلْسَعُ بَعْضَ أَهْلِي. فَمَكَثَ مَهْمُومًا، حَزِينًا خَائِفًا أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ سُمُّ هَذِهِ الْحَيَّةِ فِي مَالِي، وَأَنَا أُصِيبُ مِنْهَا أَفْضَلَ مِمَّا رُزِئْتُ بِهِ، فَتَعَزَّى بِذَلِكَ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ مِنْ شَرِّ جِوَارِهَا،

الصفحة 478