كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 100 "
) يَسْتَضْعِفُ ( استئناف يبين حال بعض الشيع ، ويجوز أن يكون حالاً من ضمير ، وجعل وأن تكون صفة لشيعاً ، ويذبح تبيين للاستضعاف ، وتفسير أو في موضع الحال من ضمير يستضعف ، أو في موضع الصفة لطائفة . وقرأ الجمهور : يذبح ، مضعفاً ؛ وأبو حيوة ، وابن محيصن : بفتح الياء وسكون الذال .
( إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( : علة لتجبره ولتذبيح الأبناء ، إذ ليس في ذلك إلاّ مجرد الفساد . ) وَنُرِيدُ ( : حكاية حال ماضية ، والجملة معطوفة على قوله : ) إِنَّ فِرْعَوْنَ ( ، لأن كلتيهما تفسير للبناء ، ويضعف أن يكون حالاً من الضمير في يستضعف ، لاحتياجه إلى إضمار مبتدأ ، أي ونحن نريد ، وهو ضعيف . وإذا كانت حالاً ، فكيف يجتمع استضعاف فرعون وإرادة المنة من الله ولا يمكن الاقتران ؟ فقيل : لما كانت المنة بخلاصهم من فرعون قرينة الوقوع ، جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم . و ) أَن نَّمُنَّ ( : أي بخلاصهم من فرعون وإغراقه . ) وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ( : أي مقتدى بهم في الدين والدنيا . وقال مجاهد : دعاة إلى الخير . وقال قتادة : ولاة ، كقولهم وجعلكم ملوكاً . وقال الضحاك : أنبياء .
( وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ( : أي يرثون فرعون وقومه ، ملكهم وما كان لهم . وعن علي ، الوارثون هم : يوسف عليه السلام وولده ، وعن قتادة أيضاً : ورثوا أرض مصر والشام . وقرأ الجمهور : ) وَنُمَكّنَ ( ، عطفاً على نمن . وقرأ الأعمش : ولنمكن ، بلام كي ، أي وأردنا ذلك لنمكن ، أو ولنمكن فعلنا ذلك . والتمكين : التوطئة في الأرض ، هي أرض مصر والشام ، بحيث ينفذ أمرهم ويتسلطون على من سواهم . وقرأ الجمهور : ) وَنُرِىَ ( ، مضارع أرينا ، ونصب ما بعده . وعبد الله ، وحمزة ، والكسائي : ونرى ، مضارع رأى ، ورفع ما بعده . ) وَهَامَانَ ( : وزير فرعون وأحد رجاله ، وذكر لنباهته في قومه ومحله من الكفر . ألا ترى إلى قوله له : ) فَرْعَوْنُ ياهَامَانُ ابْنِ لِى صَرْحاً ( ؟ ويحذرون أي زوال ملكهم وإهلاكهم على يدى مولود من بني إسرائيل .
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى اليَمّ وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ).
إيحاء الله إلى أم موسى : إلهام وقذف في القلب ، قاله ابن عباس وقتادة ؛ أو منام ، قاله قوم ؛ أو إرسال ملك ، قاله قطرب وقوم ، وهذا هو الظاهر لقوله : ) إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ). وأجمعوا على أنها لم تكن نبية ، فإن كان الوحي بإرسال ملك ، كما هو الظاهر ، فهو كإرساله للأقرع والأبرص والأعمى ، وكما روي من تكليم الملائكة للناس . والظاهر أن هذا الإيحاء هو بعد الولادة ، فيكون ثم جملة محذوفة ، أي ووضعت موسى أمه في زمن الذبح وخافت عليه . ) وَأَوْحَيْنَا ( ، و ) ءانٍ ( تفسيرية ، أو مصدرية . وقيل : كان الوحي قبل الولادة . وقرأ عمرو بن عبد الواحد ، وعمر بن عبد العزيز : أن ارضعيه ، بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس ، لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة ، وهي الفتحة ، إلى النون ، كقراءة ورش .
( فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ( من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأولاد ، ( فَأَلْقِيهِ فِى اليَمّ ). قال الجنيد : إذا خفت حفظه بواسطة ، فسلميه إلينا بإلقائه في البحر ، واقطعي عنك شفقتك وتدبيرك . وزمان إرضاعه ثلاثة أشهر ، أو أربعة ، أو ثمانية ، أقوال . واليم هنا : نيل مصر . ) وَلاَ تَخَافِى ( : أي من غرقه وضياعه ، ومن التقاطه ، فيقتل ، ( وَلاَ تَحْزَنِى ( لمفارقتك إياه ، ( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ( ، وعد صادق يسكن قلبها ويبشرها بحياته وجعله رسولاً ، وقد تقدم في سورة طه طرف من حديث التابوت ورميه في اليم وكيفية التقاطه ، فأغنى عن إعادته . واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعراً فقالت : أبعد قوله تعالى ) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ

الصفحة 100