كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 11 "
فيما كتبناه في إذن في شرح التسهيل ، وإنما أردنا أن نذكر أن ما قاله الزمخشري ليس هو الصحيح ، ولا قول الأكثرين .
( وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ ( ، قال ابن زيد : معناه من الجاهلين ، بأن وكزني إياه تأتي على نفسه . وقال أبو عبيدة : من الناسين ، ونزع لقوله : ) أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا ). وفي قراءة عبد الله ، وابن عباس : وأنا من الجاهلين ، ويظهر أنه تفسير للضالين ، لا قراءة مروية عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقال الزمخشري : من الفاعلين فعل أولي الجهل ، كما قال يوسف لإخوته : ) إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ( أو المخلصين ، كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل ، أو الذاهبين عن تلك الصفة . انتهى . وقيل : من الضالين ، يعني عن النبوة ، ولم يأتني عن الله فيه شيء ، فليس على فيما فعلته في تلك الحالة توبيخ . ومن غريب ما شرح به أن معنى ) وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ ( ، أي من المحبين لله ، وما قتلت القبطي إلا غيرة لله . قيل : والضلال يطلق ويراد به المحبة ، كما في قوله : ) إِنَّكَ لَفِى ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ( ، أي في محبتك القديمة . وجمع ضمير الخطاب في منكم وخفتكم بأن كان قد أفرد في : تمنها وعبدت ، لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ، وإنما منه ومن ملته المذكورين قبل ) أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمِ فِرْعَونَ ( ، وهم كانوا قوماً يأتمرون لقتله . ألا ترى إلى قوله : ) إِنَّ الْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ ). وقرأ الجمهور : لما حرف وجوب لوجوب ، على قول سيبويه ، وظرفاً بمعنى حين ، على مذهب الفارسي . وقرأ حمزة في رواية : لما بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي يخوفكم . وقرأ عيسى : حكماً بضم الكاف ؛ والجمهور : بالإسكان . والحكم : النبوة . ) وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( : درجة ثانية للنبوة ، فرب نبي ليس برسول . وقيل : الحكم : العلم والفهم .
( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ ( : وتلك إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله : ) أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً ( ؛ وذكر بهذا آخراً على ما بدأ به فرعون في قوله : ) أَلَمْ نُرَبّكَ بِكَ ). والظاهر أن هذا الكلام إقرار من موسى عليه السلام بالنعمة ، كأنه يقول : وتربيتك لي نعمة عليّ من حيث عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولداً ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي . وإلى هذا التأويل ذهب السدّي والطبري . وقال قتادة : هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة ، كأنه يقول : أو يصح لك أن تعتد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم ؟ أي ليست بنعمة ، لأن الواجب كان أن لا تقتلني ولا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك . وقرأ الضحاك : وتلك نعمة ماألك أن تمنها ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وهذا التأويل فيه مخالفة لفرعون ونقض كلامه كله . والقول الأول فيه إنصاف واعتراف . وقال الأخفش : والفراء : قبل الواو همزة استفهام يراد به الإنكار ، وحذفت لدلالة المعنى عليها ، ورده النحاس بأنها لا تحذف ، لأنها حرف يحدث معها معنى ، إلا إن كان في الكلام أم لا خلاف في ذلك إلا شيئاً ، قاله الفراء من أنه يجوز حذفها مع أفعال الشك ، وحكى : ترى زيداً منطلقاً ، بمعنى : ألا ترى ؟ وكان الأخفش الأصغر يقول : أخذه من ألفاظ العامة . وقال

الصفحة 11