كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 110 "
وقال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله : ) عَسَى أَن يَنفَعَنَا ( ، وأبو بكر في عمر . وفي قولها : ) اسْتَجِرْهُ ( ، دليل على مشروعية الإجارة عندهم ، وكذا كانت في كل ملة ، وهي ضرورة الناس ومصلحة الخلطة ، خلافاً لابن علية والأصم ، حيث كانا لا يجيزانها ؛ وهذا مما انعقد عليه الإجماع ، وخلافهما خرق .
( قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ ( : رغب شعيب في مصاهرته ، لما وصفته به ، ولما رأى فيه من عزوفه عن الدنيا وتعلقه بالله وفراره من الكفرة . وقرأ ورش ، وأحمد بن موسى ، عن أبي عمرو : أنكحك إحدى ، بحذف الهمزة . وظاهر قوله : ) أَنْ أُنكِحَكَ ( ، أن الإنكاح إلى الولي لا حق للمرأ فيه ، خلافاً لأبي حنيفة في بعض صوره ، بأن تكون بالغة عالمة بمصالح نفسها ، فإنها تعقد على نفسها بمحضر من الشهود ، وفيه دليل على عرض الولي وليته على الزوج ، وقد فعل ذلك عمر ، ودليل على تزويج ابنته البكر من غير استئمار ، وبه قال مالك والشافعي . وقال أبو حنيفة : إذا بلغت البكر ، فلا تزوج إلا برضاها . قيل : وفيه دليل على قول من قال : لا ينعقد إلا بلفظ التزويج ، أو الإنكاح ، وبه قال ربيعة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وداود . وإحدى ابنتي : مبهم ، وهذا عرض لا عقد . ألا ترى إلى قوله : ) إِنّى أُرِيدُ ( ؟ وحين العقد يعين من شاء منهما ، وكذلك لم بحدّ أول أمد الإجارة . والظاهر من الآية جواز النكاح بالإجارة ، وبه قال الشافعي وأصحابه وابن حبيب . وقال الزمخشري : ) هَاتَيْنِ ( ، فيه دليل على أنه كانت له غيرهما . انتهى . ولا دليل في ذلك ، لأنهما كانتا هما اللتين رآهما تذودان ، وجاءته إحداهما ، فأشار إليهما ، والإشارة إليهما لا تدل على أن له غيرهما . ) عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ( في موضع الحال من ضمير أنكحك ، إما الفاعل ، وإما المفعول . وتأجرني ، من أجرته : كنت له أجيراً ، كقولك : أبوته : كنت له أباً ، ومفعول تأجرني الثاني محذوف تقديره نفسك . و ) ثَمَانِىَ حِجَجٍ ( : ظرف ، وقاله أبو البقاء . وقال الزمخشري : حجج : مفعول به ، ومعناه : رعيه ثماني حجج . ) فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ( : أي هو تبرع وتفضل لا اشتراط . ) وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ( بإلزام أيّم الأجلين ، ولا في المعاشرة والمناقشة في مراعاة الأوقات ، وتكليف الرعاة أشياء من الخدم خارجة عن الشرط . ) سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( : وعد صادق مقرون بالمشيئة من الصالحين في حسن المعاملة ووطاءة الخلق ، أو من الصالحين على العموم ، فيدخل تحته حسن المعاملة .
ولما فرغ شعيب مما حاور به موسى ، قال موسى : ) ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ ( ، على جهة التقدير والتوثق في أن الشرط إنما وقع في ثماني حجج . وذلك مبتدأ أخبره بيني وبينك ، إشارة إلى ما عاهده عليه ، أي ذلك الذي عاهدتني وشارطتني قائم بيننا جميعاً لا نخرج عنه ، ثم قال : ) أَيَّمَا الاْجَلَيْنِ ( ، أي الثماني أو العشر ؟ ) فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ ( : أي لا يعتدى عليّ في طلب الزيادة ، وأي شرط ، وما زائدة . وقرأ الحسن ، والعباس ، عن أبي عمرو : أيما ، بحذف الياء الثانية ، كما قال الشاعر : تنظرت نصراً والسماكين أيما
علي من الغيث استهلت مواطره
وقرأ عبد الله : أي الأجلين ما قضيت ، بزيادة ما بين الأجلين وقضيت . قال الزمخشري فإن قلت : ما الفرق بين موقع ما المزيدة في القراءتين ؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة الإبهام ، أي زائدة في شياعها وفي الشاذ ، تأكيداً للقضاء ، كأنه قال : أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له ؟ وقرأ أبو حيوة ، وابن قطيب : فلا عدوان ، بكسر العين . قال المبرد : قد علم أنه لا عدوان عليه في أتمهما ، ولكن جمعهما ، ليجعل الأول كالأتم في الوفاء . وقال الزمخشري :

الصفحة 110