كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 124 "
في رأوا عائد على المدعوين ، قال : وهم الأصنام . والظاهر أنه عائد على الداعين ، كقوله : ) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ ( ، ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد ، لأن ما قدره هو جواب ، ولا يشعر به أنه جواب ، إذ صار التقدير عنده : لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب ، لكنها ليست من الأحياء ، فلا ترى العذاب . ألا ترى إلى قوله : فلا جرم ما رأت العذاب ؟
) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ( : هذا النداء أيضاً قد يكون بواسطة من الملائكة ، أو بغير واسطة . حكى أولاً ما يوبخهم من اتخاذهم له شركاء ، ثم ما يقوله رؤوس الكفر عند توبيخهم ، ثم استعانتهم بشركائهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم ، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزالة العلل . وقرأ الجمهور : ) فَعُمّيَتْ ( بفتح العين وتخفيف الميم . وقرأ الأعمش ، وجناح بن حبيش ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : بضم العين وتشديد الميم ، والمعنى : أظلمت عليهم الأمور ، فلم يستطيعوا أن يخبروا بما فيه نجاة لهم ، وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه . ) فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ ( ، وقرأ طلحة : يساءلون ، بإدغام التاء في السين : أي لا يسأل بعضهم بعضاً فيما يتحاجون به ، إذا أيقنوا أنه لا حجة لهم ، فهم في عمى وعجز عن الجواب . والمراد بالنبأ : الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله . ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة ، وما يكون منهم فيه ، أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحاً ، فإنه مرجو له الفلاح والفوز في الآخرة ، وهذا ترغيب للكافر في الإسلام ، وضمان له للفلاح . ويقال : إن عسى من الله واجبة .
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ( : نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وقول بعضهم : ) لَوْلاَ نُزّلَ هَاذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ( ، وقائل ذلك الوليد بن المغيرة . قال القرطبي : هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة ، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشفعاء ، لا إلى المشركين . وقيل : هو جواب لليهود ، إذ قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل ، لأمنا به ، ونص الزجاج ، وعليّ بن سليمان ، والنحاس : على أن الوقف على قوله : ) وَيَخْتَارُ ( تام ، والظاهر أن ما نافية ، أي ليس لهم الخيرة ، إنما هي لله تعالى ، كقوله : ) مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ( من أمرهم . وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار ، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس ، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم ، ويفعلون ما لم يؤمروا به . وأنكر أن تكون ما نافية ، لئلا يكون المعنى : إنه لم تكن لهم الخير فيما مضى ، وهي لهم فيما يستقبل ، ولأنه لم يتقدّم كلام ينفي . وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري ، وقد رد هذا القول تقدّم العائد على الموصول ، وأجيب بأن التقدير : ما كان لهم فيه الخيرة ، وحذف لدلالة المعنى . قال الزمخشري : كما حذف من قوله : ) إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاْمُورِ ( ، يعني : أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور . وأشد القاسم ابن معن بيت عنترة : أمن سمية دمع العين تذريف
لو كان ذا منك قبل اليوم معروف
وقرن الآية بهذا البيت . والرواية في البيت : لو أن ذا ، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون في كان ضمير الشأن . فأما في الآية ، فقال ابن عطية : تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف . قال ابن عطية : ويتجه عندي أن تكون ما مفعولة ، إذا قدرنا كان تامة ، أي أن الله تعالى يختار كل كائن ، ولا يكون شيء إلا بإذنه . وقوله : ) لَهُمُ الْخِيَرَةُ ( : جملة مستأنفة معناها : تعديد النعمة عليهم في اختيار الله لهم ، لو قبلوا وفهموا . انتهى . يعني : والله أعلم خيرة الله لهم ، أي لمصلحتهم . والخيرة من التخير ، كالطيرة من التطير ، يستعملان بمعنى المصدر ؛ والجمل التي بعد هذا تقدم الكلام عليها . والحمد في الآخرة قولهم : ) الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ( ، ( الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ (

الصفحة 124