" صفحة رقم 127 "
تنوء بأحراها فلأياً قيامها
وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر
وقال أبو عبيدة : هو مقلوب وأصله : لتنوء بها العصبة ، أي تنهض ، والقلب عند أصحابنا بابه الشعر . والصحيح أن الباء للتعدية ، أي لتنيء العصبة ، كما تقول : ذهبت به وأذهبته ، وجئت به وأجأته . ونقل هذا عن الخليل وسيبويه والفراء ، واختاره النحاس ، وروي معناه عن ابن عباس وأبي صالح والسدي ، وتقول العرب : ناء الحمل بالبعير إذا أثقله . قال ابن عطية : ويمكن أن يسند تنوء إلى المفاتح ، لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها ، وذا مطرد في ناء الحمل بالبعير ونحوه ، فتأمله . وقرأ بديل بن ميسرة : لينوء ، بالياء ، وتذكيره راعى المضاف المحذوف ، التقدير : ما إن حمل مفاتحه ، أو مقدارها ، أو نحو ذلك . وقال الزمخشري : ووجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن ، ويعطيها حكم ما أضيف إليه للملابسة والإيصال ، كقوله : ذهبت أهل اليمامة . انتهى . يعني : أنه اكتسب المفاتح التذكير من الضمير الذي لقارون ، كما اكتسب أهل التأنيث من إضافته إلى اليمامة ، فقيل فيه ، ذهبت . وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ : ما إن مفتاحه ، على الإفراد ، فلا تحتاج قراءته لينوء بالياء إلى تأويل . وتقدم تفسير العصبة في سورة يوسف عليه السلام . وتقدم قبل تفسير المفاتح ، أهي المقاليد ، أو الخزائن نفسها ، أو الظروف والأوعية ؟ وعن ابن عباس والحسن : أن المفاتح هي الأموال .
قال ابن عباس : كانت خزائنه تحملها أربعون أقوياء ، وكانت أربعمائة ألف ، يحمل كل رجل عشرة آلاف . وقال أبو مسلم : المراد من المفاتح : العلم والإحاطة ، كقوله تعالى : ) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ( ، والراد : وآتيناه من الكنوز ، ما إن حفظها والإطلاع عليها ليثقل على العصبة ، أي هذه الكنوز لكثرتها واختلاف أصنافها ، يتعب حفظها القائمين على حفظها . ) إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ ( : نهوه عن الفرح المطغى الذي هو إنهماك وإنحلال نفس وأشر وإعجاب ، وإنما يفرح بإقبال الدنيا عليه من اطمأن إليها وغفل عن أمر الآخرة ، ومن جعل أنه مفارق زهرة الدنيا عن قريب ، فلا يفرح بها . وقال أبو الطيب : أشد الغم عندي في سرور
تيقن عنه صاحبه انتقالا
قال الزمخشري : ومحل إذ منصوب بتنوء . انتهى ، وهذا ضعيف جداً ، لأن إثقال المفاتح العصبة ليس مقيداً بوقت قول قومه له : ) لاَ تَفْرَحْ ). وقال ابن عطية : متعلق بقوله : ) فَبَغَى عَلَيْهِمْ ( ، وهو ضعيف أيضاً ، لأن بغيه عليهم لم يكن مقيداً بذلك الوقت . وقال الحوفي : الناصب له محذوف تقديره أذكر . وقال أبو البقاء : ) إِذْ قَالَ لَهُ ( ظرف لآتيناه ، وهو ضعيف أيضاً ، لأن الإيتاء لم يكن وقت ذلك القول . وقال أيضاً : ويجوز أن يكون ظرفاً لفعل محذوف دل عليه الكلام ، أي بغى عليهم ، ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ). انتهى . ويظهر أن يكون تقديره : فأظهر التفاخر والفرح بما أوتي من الكنوز ، ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ ). وقال تعالى : ) وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَاكُمْ ( ، والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير . وقال الشاعر : ولست بمفراح إذا الدهر سرني
ولا جازع من صرفه المتحول
وقال الآخر :