" صفحة رقم 132 "
وعن الفضيل ، أنه قرأها ثم قال : ذهبت الأماني . وعن عمر بن عبد العزيز : أنه كان يرددها حتى قبض . ) فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا ( : يحتمل أن يكون خير أفعل التفضيل ، وأن يكون واحد الخيور ، أي فله خير بسبب فعلها ، ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : ) فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيّئَاتِ ( ، تهجيناً لحالهم وتبغيضاً للسيئة إلى قلوب السامعين ، ففيه بتكراره ما ليس فيه لو كان : فلا يجزون بالصهر ، وما كانوا على حذف مثل ، أي إلاّ مثل ما كانوا يعملون ، لأن جزاء السيئة سيئة مثلها ، والحسنة بعشر أمثالها .
( إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءانَ ( ، قال عطاء : العمل به ؛ ومجاهد : أعطاكه ؛ ومقاتل : أنزله عليك ، وكذا قال الفراء وأبو عبيدة . وقال الزمخشري : أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه ؛ يعني أن الذي حملك صعوبة هذا التكليف ليثيبك عليها ثواباً لا يحيط به الوصف . والمعاد ، قال الجمهور : في الآخرة ، أي باعثك بعد الموت ، ففيه إثبات الجزاء والإعلام بوقوعه . وعن ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري : المعاد : الموت . وقيل : بيت المقدس . وقيل : الجنة ، وكان قد دخلها ليلة المعراج . وقال ابن عباس أيضاً ، ومجاهد : المعاد : مكة ، أراد رده إليها يوم الفتح ، ونكره ، والمقصود التعظيم ، أي معاد أي معاد ، أي له شأن لغلبة الرسول عليها وقهره لأهلها ، ولظهور عز الإسلام وأهله ، فكأن الله وعده وهو بمكة أنه يهاجر منها ويعود إليها ظافراً ظاهراً . وقيل : نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره ، وقد اشتاق إليها ، فقال له جبريل : أتشتاق إليها ؟ قال : نعم ، فأوحاها إليه . ومن منصوب بإضمار فعل ، أي يعلم من جاء بالهدى ، ومن أجاز أن يأتي أفعل بمعنى فاعل ، وأجاز مع ذلك أن ينصب به ، جاز أن ينتصب به ، إذ يؤوله بمعنى عالم ، ويعطيه حكمه من العمل .
ولما وعده تعالى أنه يرده إلى معاد ، وأنه تعالى فرض عليه القرآن ، أمره أن يقول للمشركين ذلك ، أي هو تعالى عالم بمن جاء بالهدى ، وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وبما يستحقه من الثواب في معاده ، وهذا إذا عنى بالمعاد ما بعد الموت . ويعني بقوله : ) وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( : المشركين الذين أمره الله بأن يبلغهم ذلك ، هو عالم بهم ، وبما يستحقونه من العقاب في معادهم ، وفي ذلك متاركة للكفار وتوبيخ . ) وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ( : هذا تذكير لنعمه تعالى على رسوله ، وأنه تعالى رحمه رحمة لم يتعلق بها رجاؤه . وقيل : بل هو معلق بقوله : ) إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءانَ ( ، وأنت بحال من لا يرجو ذلك ، وانتصب رحمة على الاستثناء المنقطع ، أي لكن رحمة من ربك سبقت ، فألقى إليك الكتاب . وقال الزمخشري : هذا كلام محمول على المعنى ، كأنه قيل : وما ألقى عليك الكتاب إلا رحمة من ربك . انتهى . فيكون استثناء متصلاً ، إما من الأحوال ، وإما من المفعول له . وقرأ الجمهور : يصدنك ، مضارع صد وشدوا النون ، ويعقوب كذلك ، إلا أنه خففها . وقرىء : يصدنك ، مضارع أصد ، بمعنى صد ، حكاه أبو زيد ، عن رجل من كلب قال : وهي لغة قومه ، وقال الشاعر : أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم
صدود السواقي عن أنوف الحوائم
) بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ( : أي بعد وقت إنزالها ، وإذ تضاف إليها أسماء الزمان كقوله : ) بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ( ، ويومئذ ، وحينئذ . قال الضحاك : وذلك حين دعوه إلى دين إبائه ، أي لا تلتفت إلى هؤلاء ولا تركن إلى قولهم ، فيصدونك عن اتباع آيات الله . ) وَادْعُ إِلَى رَبّكَ ( : أي دين ربك