" صفحة رقم 142 "
فارعى فزارة لا هناك المرتع
وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين ، وتقريرهم على رؤية بدء الخلق في قوله : ) أَوَ لَمْ يَرَوْاْ ( ، وفي : ) فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ( ، إنما هو لمشاهدتهم إحياء الأرض بالنبات ، وإخراج أشياء من العدم إلى الوجود ، وقوله : ) ثُمَّ يُعِيدُهُ ( ، وقوله : ) ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىء ( ، ليس داخلاً تحت الرؤية ولا تحت النظر ، فليس ) ثُمَّ يُعِيدُهُ ( معطوفاً على يبدىء ، ولا ) ثُمَّ يُنشِىء ( داخلاً تحت كيفية النظر في البدء ، بل هما جملتان مستأنفتان ، إخباراً من الله تعالى بالإعادة بعد الموت . وقدم ما قبل هاتين الجملتين على سبيل الدلالة على إمكان ذلك ، فإذا أمكن ذلك وأخبر الصادق بوقوعه ، صار واجباً مقطوعاً بعامة ، ولا شك فيه . وقال قتادة : ) أَوَ لَمْ يَرَوْاْ ( ، بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعيد الله الأجسام بعد الموت ؟ وقال الربيع بن أنس المعنى : كيف يبدأ خلق الإنسان ثم يعيده إلى أحوال أخر ، حتى إلى التراب ؟ وقال مقاتل : الخلق هنا الليل والنهار . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : النشاءة هنا ، وفي النجم والواقعة على وزن فعالة ؛ وباقي السبعة : النشأة ، على وزن فعلة ، وهما كالرآفة والرأفة ، وهما لغتان ، والقصر أشهر ، وانتصابه على المصدر ، إما على غير المصدر قام مقام الإنشاء ، وإما على إضمار فعله ، أي فتنشئون النشأة .
وفي الآية الأولى صرح باسمه تعالى في قوله : ) كَيْفَ يُبْدِىء اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُبْدِىء اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( ، وهنا عكس أضمر في بدا ثم أبرزه في قوله : ) ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىء ( ، حتى لا تخلو الجملتان من صريح اسمه . ودل إبرازه هنا على تفخيم النشأة الآخرة وتعظيم أمرها وتقرير وجودها ، إذ كان نزاع الكفار فيها ، فكأنه قيل : ثم ذلك الذي بدأ الخلق هو الذي ) يُنشِىء النَّشْأَةَ الاْخِرَةَ ( ، فكان التصريح باسمه أفخم في إسناد النشأة إليه . والآخرة صفة للنشأة ، فهما نشأتان : نشأة اختراع من العدم ، ونشأة إعادة . ثم ذكر الصفة التي النشأة هي بعض مقدوراتها . ثم أخبر بأنه ) يُعَذّبُ مَن يَشَاء ( ، أي تعذيبه ، ( وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء ( رحمته ، وبدأ بالعذاب ، لأن الكلام هو مع الكفار مكذبي الرسل . ) وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ( : أي تردون . وقال الزمخشري : ومتعلق المشيئتين مفسر مبين في مواضع من القرآن ، وهو يستوجبهما من الكافر والفاسق إذا لم يتوبا ، ومن المعصوم والتائب . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . ) وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ( : أي فائتين ما أراد الله لكم . ) فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء ( ، إن حمل السماء على العلو فجائز ، أي في البروج والقلاع الذاهبة في العلو ، ويكون تخصيصاً بعد تعميم ، أو على المظلة ، فيحتاج إلى تقرير ، أي لو صرتم فيها ، ونظيره قول الأعشى : ولو كنت في جب ثمانين قامة
ورقيت أسباب السماء بسلم
ليعتورنك القول حتى تهزه
وتعلم أني فيك لست بمجرم
وقوله تعالى : ) إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( ، على تقدير الحكم لو كنتم فيها ، ( وَالاْرْضِ فَانفُذُواْ ). وقال ابن زيد ، والفراء : التقدير : ولا من في السماء ، أي يعجز إن عصى . وقال الفراء : وهذا من غوامض العربية ، وأنشد قول حسان :
فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء
أي : ومن ينصره ، وهذا عند البصريين لا يكون إلا في الشعر ، لأن فيه حذف الموصول وإبقاء صلته . وأبعد من هذا