كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 148 "
السبعة : بالتنوين . وقرأ ابن وثاب : وعاد وثمود ، بالخفض فيهما ، والتنوين عطفاً على مدين ، أي وأرسلنا إلى عاد وثمود . ) وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم ( : أي ذلك ، أي ما وصف لكم من إهلاكهم من جهة مساكنهم ، إذا نظرتم إليها عند مروركم لها ، وكان أهل مكة يمرون عليها في أسفارهم . وقرأ الأعمش : مساكنهم ، بالرفع من غير من ، فيكون فاعلاً بتبين .
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ( : أي بوسوسته وإغوائه ، ( أَعْمَالَهُمْ ( القبيحة . ) فَصَدَّهُمْ عَنِ سَبِيلِ اللَّهِ ( ؛ وهي طريق الإيمان بالله ورسله . ) وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ( : أي في كفرهم لهم به بصر وإعجاب قاله ، ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك . وقيل : عقلاء ، يعلمون أن الرسالة والآيات حق ، ولكنهم كفروا عناداً ، وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم . ) وَقَشرُونَ ( : معطوف على ما قبله ، أو منصوب بإضمار اذكر . ) فَاسْتَكْبَرُواْ ( : أي عن الإقرار بالصانع وعبادته في الأرض ، إشارة إلى قلة عقولهم ، لأن من في الأرض يشعر بالضعف ، ومن في السماء يشعر بالقوة ، ومن في السماء لا يستكبرون عن عبادة الله ، فكيف من في الأرض ؟ ) وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ ( الأمم إلى الكفر ، أي تلك عادة الأمم مع رسلهم . والحاصب لقوم لوط ، وهي ريح عاصف فيها حصا ، وقيل : ملك كان يرميهم . والصيحة لمدين وثمود ، والخسف لقارون ، والغرق لقوم نوح وفرعون وقومه . وقال ابن عطية : ويشبه أن يدخل قوم عاد في الحاصب ، لأن تلك الريح لا بد كانت تحصبهم بأمور مؤذية ، والحاصب : هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمي بشيء ، ومنه قول الفرزدق : مستقبلين شمال الشأم تضربهم
بحاصب كنديف القطن منثور
ومنه قول الأخطل : ترمي العضاة بحاصب من بلحها
حتى تبيت على العضاة حفالا
) الْعَنكَبُوتِ ( : حيوان معروف ، ووزنه فعللوت ، ويؤنث ويذكر ، فمن تذكيره قول الشاعر : على هطالهم منهم بيوت
كأن العنكبوت هو ابتناها
ويجمع عناكب ، ويصغر عنيكيب . يشبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام ، وبنائهم أمورهم عليها بالعنكبوت التي تبني وتجتهد ، وأمرها كله ضعيف ، متى مسته أدنى هامة أو هامة أذهبته ، فكذلك أمر أولئك ، وسعيهم مضمحل ، لا قوة له ولا معتمد . وقال الزمخشري : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاً ومعتمداً في دينهم ، وتولوه من دون الله ، مما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة ، وهو نسج العنكبوت . ألا ترى إلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : ) ءانٍ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ( ؟ انتهى . يعني بقوله : ألا ترى إلى مقطع التشبيه بما ذكر أولاً من أن الغرض تشبيه المتخذ بالبيت ، لا تشبيه المتخذ بالعنكبوت ؟ والذي يظهر ، هو تشبيه المتخذ من دون الله ولياً ، بالعنكبوت المتخذة بيتاً ، أي فلا اعتماد للمتخذ على وليه من دون الله ، كما أن العنكبوت لا اعتمادها على بيتها في استظلال وسكنى ، بل لو دخلت فيه خرقته . ثم بين حال بيتها ، وأنه في غاية الوهن ، بحيث لا ينتفع به . كما أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تجدي شيئاً ألبتة ، وقوله : ) لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ( ، ليس مرتبطاً بقوله : ) وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ( ، لأن كل أحد يعلم ذلك ، فلا يقال فيه : لو كانوا يعلمون ؛ وإنما المعنى : لو كانوا يعلمون أن

الصفحة 148