" صفحة رقم 155 "
دل عليه ما وصفهم به ، وشرح من أمرهم معناه على ما وصفوا به من الشرك والعناد . ) فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ( : كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين ، حيث لا يذكرون إلا الله ، ولا يدعون مع الله آخر . وفي المخلصين ضرب من التهكم ، و ) إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ( : جواب لما ، أي فاجأ السحية إشراكهم بالله ، أي لم يتأخر عنها ولا وقتاً . والظاهر في ) لِيَكْفُرُواْ ( أنها لام كي ، وعطف عليه ) وَلِيَتَمَتَّعُواْ ( في قراءة من كسر اللام وهم : العربيان ونافع وعاصم ، والمعنى : عادوا إلى شركهم . ) لِيَكْفُرُواْ ( : أي الحامل لهم على الشرك هو كفرهم بما أعطاهم الله تعالى ، وتلذذهم بما متعوا به من عرض الدنيا ، بخلاف المؤمنين ، فإنهم إذا نجوا من مثل تلك الشدة ، كان ذلك جالب شكر الله تعالى ، وطاعة له مزدادة . وقيل : اللام في : ) لِيَكْفُرُواْ ( ، ( وَلِيَتَمَتَّعُواْ ( ، لام الأمر ، ويؤيده قراءة من سكن لام وليتمتعوا وهم : ابن كثير ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ؛ وهذا الأمر على سبيل التهديد ، كقوله : ) اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ).
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يأمر الله تعالى بالكفر ، وبأن يعمل العصاة ما شاوؤا ، وهوناه عن ذلك ومتوعد عليه ؟ قلت : هو مجاز عن الخذلان والتحلية ، وإن ذلك الأمر مسخط إلى غاية . انتهى . والتحلية والخذلان من ألفاظ المعتزلة . وقرأ ابن مسعود : فتمتعوا فسوف تعلمون ، بالتاء فيهما : أي قيل لهم تمتعوا فسوف تعلمون ، وكذا في مصحف أبيّ . وقرأ أبو العالية : فيتمتعوا ، بالياء ، مبنياً للمفعول . ومن قرأ : وليتمتعوا ، بسكون اللام ، وكان عنده اللام في : ليكفروا ، لام كي ، فالواو عاطفة كلاماً على كلام ، لا عاطفة فعلا على فعل . وحكى ابن عطية ، عن ابن مسعود : لسوف تعلمون ، باللام ، ثم ذكرهم تعالى بنعمه ، حيث أسكنهم بلدة أمنوا فيها ، لا يغزوهم أحد ولا يستلب منهم ، مع كونهم قليلي العدد ، قارين في مكان لا زرع فيه ، وهذه من أعظم النعمة التي كفروها ، وهي نعمة لا يقدر عليها إلا الله تعالى . وقرأ الجمهور : ) يُؤْمِنُونَ ( ، و ) يَكْفُرُونَ ( ، بالياء فيهما . وقرأ السلمي ، والحسن : بتاء الخطاب فيهما . وافتراؤهم الكذب : زعمهم أن لله شريكاً ، وتكذيبهم بالحق : كفرهم بالرسول والقرآن . وفي قوله : ) لَمَّا جَاءهُ ( : إشعار بأنهم لم يتوقفوا في تكذيبه وقت مجيء الحق لهم ، بخلاف العاقل ، فإنه إذا بلغه خبر ، نظر فيه وفكر حتى يبين له أصدق هو أم كذب . وأليس تقرير لمقامهم في جهنم كقوله :
ألستم خير من ركب المطايا
و ) لِلْكَافِرِينَ ( من وضع الظاهر موضع المضمر : أي مثواهم . ) وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا ( : أطلق المجاهدة ، ولم يقيدها بمتعلق ، ليتناول المجاهدة في النفس الأمّارة بالسوء والشيطان وأعداء الدين ، وما ورد من أقوال العلماء ، فالمقصود بها المثال . قال ابن عباس : جاهدوا أهواءهم في طاعة الله وشكر آلائه والصبر على بلائه . ) لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ( : لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير ، كقوله : ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَءاتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ ). وقال السدي : جاهدوا فينا بالثبات على الإيمان ، لنهدينهم سبلنا إلى الجنة . وقال أبو سليمان الداراني : جاهدوا فيما علموا ، لنهدينهم إلى ما لم يعلموا . وقيل : جاهدوا في الغزو ، لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة . وقال ابن عباس : المحسنين الموحدين . وقال غيره : المجاهدون . وقال عبد الله بن المبارك : من اعتاصت عليه مسألة ، فليسأل أهل الثغور عنها ، كقوله تعالى : ) لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ). ) وَالَّذِينَ ( : مبتدأ خبره القسم المحذوف ، وجوابه : وهو لنهدينهم وبهذا ، ونظيره ردّ على أبي العباس ثعلب في منعه أن تقع جملة القسم والمقسم عليه خبراً للمبتدأ ، ونظيره : ) وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ).