كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 16 "
وقال ابن عطية : قرأ البزي ، وابن فليح ، عن ابن كثير : بشد التاء وفتح اللام وشد القاف ، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن حذف همزة الوصل ، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة ، كما لا تدخل على أسماء الفاعلين . انتهى . كأنه يخيل أنه لا يمكن الابتداء بالكلمة إلا باجتلاب همزة الوصل ، وليس ذلك بلازم كثيراً ما يكون الوصل مخالفاً للوقف ، والوقف مخالفاً للوصل ، ومن له تمرن في القراآت عرف ذلك .
( قَالُواْ لاَ ضَيْرَ ( : أي لا ضرر علينا في وقوع ما وعدتنا به من قطع الأيدي والأرجل والتصليب ، بل لنا فيه المنفعة التامة بالصبر عليه . يقال : ضاره يضيره ضيراً ، وضاره يضوره ضوراً . إنا إلى ربنا : أي إلى عظيم ثوابه ، أو : لا ضير علينا ، إذ انقلابنا إلى الله بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه . وقال أبو عبد الله الرازي : لما آمنوا بأجمعهم ، لم يأمن فرعون أن يقول قومه لم تؤمن السحرة على كثرتهم إلا عن معرفة بصحة أمر موسى فيؤمنون ، فبالغ في التنفير من جهة قوله : ) قَالَ ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ ( موهماً أن مسارعتهم للإيمان دليل على ميلهم إليه قبل . وبقوله : ) إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ( ، صرح بما رمزه أولاً من مواطأتهم وتقصيرهم ليظهر أمر كبيرهم ، وبقوله : ) فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( ، حيث أوعدهم وعيداً مطلقاً ، وبتصريحه بما هددهم به من العذاب ، فأجابوا بأن ذلك إن وقع ، لن يضير ، وفي قولهم : ) إِنَّا إِلَى رَبَّكَ مُنقَلِبُونَ ( ، نكتة شريفة ، وهو أنهم آمنوا لا رغبة ولا رهبة ، إنما قصدوا محض الوصول إلى مرضات الله والاستغراق في أنوار معرفته . انتهى ملخصاً . ويدفع هذا الأخير قولهم : ) إِنَّا نَطْمَعُ ( إلى آخره ، ولا يكون ذلك إلا من خوف تبعات الخطايا . والظاهر بقاء الطمع على بابه كقوله : ) وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ). وقيل : يحتمل اليقين . قيل : كقول إبراهيم عليه السلام : ) وَالَّذِى أَطْمَعُ ).
وقرأ الجمهور : ) أَن كُنَّا ( ، بفتح الهمزة ، وفيه الجزم بإيمانهم . وقرأ أبان بن تغلب ، وأبو معاذ : إن كنا ، بكسر الهمزة . قال صاحب اللوامح على الشرط : وجاز حذف الفاء من الجواب ، لأنه متقدم ، وتقديره : ) أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ( فإنا نطمع ، وحسن الشرط لأنهم لم يتحققوا ما لهم عند الله من قبول الإيمان . انتهى . وهذا التخريج على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد ، حيث يجيزون تقديم جواب الشرط عليه ، ومذهب جمهور البصريين أن ذلك لا يجوز ، وجواب مثل هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه . وقال الزمخشري : هو من الشرط الذي يجيء به المدلول بأمره المتحقق لصحته ، وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين . ونظيره قول العامل لمن يؤخر . جعله إن كنت عملت فوفني حقي ، ومنه قوله تعالى : ) إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَابْتِغَاء مَرْضَاتِى ( ، مع علمه أنهم لم يخرجوا إلا لذلك . وقال ابن عطية بمعنى : أن طمعهم إنما هو بهذا الشرط . انتهى . ويحتمل أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة ، وجاز حذف اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون ، فلا يحتمل النفي ، والتقدير : إن كنا لأول المؤمنين . وجاء في الحديث : ( إن كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يحب العسل ) ، أي ليحب . وقال الشاعر : ونحن أباة الضيم من آل مالك
وإن مالك كانت كرام المعادن
أي : وإن مالك لكانت كرام المعادن ، وأول يعني أول المؤمنين من القبط ، أو أول المؤمنين من حاضري ذلك

الصفحة 16