" صفحة رقم 171 "
من تلك الأفعال ، حتى يصح ما ذهبتم إليه ؟ فاستعمل قط في غير موضعها ، لأنها ظرف للماضي ، وهنا جعلها معمولة ليفعل . وقال الزمخشري أيضاً : ومن الأولى والثانية ، كل واحدة مستقبلة تأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم ؛ فمن الأولى للتبعيض ، والجار والمجرور خبر المبتدأ ؛ ومن يفعل هو المبتدأ ، ومن الثانية في موضع الحال من شيء ، لأنه نعت نكرة تقدم عليها فانتصب على الحال ؛ ومن الثالثة زائدة لانسحاب الاستفهام الذي معناه النفي على الكلام ، التقدير : من يفعل شيئاً من ذلكم ، أي من تلك الأفعال .
وقرأ الجمهور : ) يُشْرِكُونَ ( ، بياء الغيبة ؛ والأعمش ، وابن وثاب : بتاء الخطاب ، والظاهر مراد ظاهر البر والبحر . وقال الحسن : وظهور الفساد فيهما بارتفاع البركات ، ونزول رزايات ، وحدوث فتن ، وتقلب عدو كافر ، وهذه الثلاثة توجد في البر والبحر . وقال ابن عباس : ) الْفَسَادُ فِى الْبَرّ ( ، القطاع فتسده . وقال مجاهد : ) فِى الْبَرّ ( ، بقتل أحد بني آدم لأخيه ، وفي البحر : بأخذ السفن غصباً ، وعنه أيضاً : البر : البلاد البعيدة من البحر ، والبحر : السوواحل والجزر التي على ضفة البحر والأنهار . وقال قتادة : البر : الفيافي ومواضع القبائل وأهل الصحارى والعمور ، والبحر : المدن ، جمع بحرة ، ومنه : ولقد أجمع أهل هذه البحيرة ليتوجوه ، يعني قول سعد بن عبادة في عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، ويؤيد هذا قراءة عكرمة . والبحور بالجمع ، ورويت عن ابن عباس ، وكان قد ظهر الفساد براً وبحراً وقت بعثة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وكان الظلم عم الأرض ، فأظهر الله به الدين ، وأزال الفساد ، وأخمده ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقال النحاس : فيه قولان ، أحدهما : ظهر الجدب في البر في البوادي وقراها والبحر ، أي في مدن البحر ، مثل : ) وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ ( أي ظهر قلة العشب ، وغلاً السعر . والثاني : ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم ، فهذا هو الفساد على الحقيقة ، والأول مجاز ، وقيل : إذا قل المطر قل الغوص ، وأحنق الصياد وعميت دواب البحر . وقال ابن عباس : إذا مطرت تفتحت الأصداف في البحر ، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ .
( بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ ( : أي بسبب معاصيهم وذنوبهم . ) لِيُذِيقَهُمْ ( : أي أنه تعالى أفسد أسباب دنياهم ومحقهم ، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا ، قبل أن يعاقبهم بها جميعاً في الآخرة . ) لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( عما هم فيه . وقال ابن عطية : ) بِمَا كَسَبَتْ ( : جزاء ما كسبت ، ويجوز أن يتعلق الباء بظهر ، أي بكسبهم المعاصي في البر والبحر ، وهو نفس الفساد الظاهر . وقرأ السلمي ، والأعرج ، وأبو حيوة ، وسلام ، وسهل ، وروح ، وابن حسان ، وقنبل من طريق ابن مجاهد ، وابن الصباح ، وأبو الفضل الواسطي عنه ، ومحبوب عن أبي عمر . و : لنذيقهم ، بالنون ؛ والجمهور : بالياء ، ثم أمرهم بالمسير في الأرض ، فينظروا كيف أهلك الأمم بسبب معاصيهم وإشراكهم ، وذلك تنبيه لقريش وأمر لهم بالاعتبار بمن سلف من الأمم ، قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم . ) كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ ( : أهلكهم كلهم بسبب الشرك ، وقوم بسبب المعاصي ، لأنه تعالى يهلك بالمعاصي ، كما يهلك بالشرك ، كأصحاب السبت . أو أهلكهم كلهم ، المشرك والمؤمن ، كقوله تعالى : ) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ( ، وأهلكهم كلهم ، وهم كفار ، فأكثرهم مشركون ، وبعضهم معطل . وحين ذكر امتنانه قال : ) اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ( ، فذكر الوجود ثم البقاء بسبب الرزق . وحين ذكر خذلانهم بالطغيان ، بسبب البقاء بإظهار الفساد ، ثم بسبب الوجود بالإهلاك . ) مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ ( : يوم القيامة ، وفيه تحذير