كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 187 "
أن أشجار الأرض أقلام ، والبحر ممدود بسبعة أبحر ، وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله ، ( مَّا نَفِدَتْ ( ، ونفدت الأقلام والمداد الذي في البحر وما يمده ، كما قال : ) لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَاتِ رَبّى ( الآية . وقال الزمخشري : فإن قلت : زعمت أن قوله : ) وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ ( ، حال في أحد وجهي الرفع ، وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال ، قلت : هو كقوله :
وقد اغتدي والطير في وكناتها
وجئت والجيش مصطف ، وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف . يجوز أن يكون المعنى : وبحرها ، والضمير للأرض . انتهى . وهذا الذي جعله سؤالاً وجواباً من واضح النحو الذي لا يجهله المبتدئون فيه ، وهو أن الجملة لا سمية إذا كانت حالاً بالواو ، لا يحتاج إلى ضمير يربط ، واكتفى بالواو فيها . وأما قوله : وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف ، فليس بجيد ، لأن الظرف إذا وقع حالاً ، ففي العامل فيه ضمير ينتقل إلى الظرف . والجملة الاسمية إذا كانت حالاً بالواو ، فليس فيها ضمير منتقل . وأما قوله : ويجوز ، فلا يجوز إلا على رأي الكوفيين ، حيث يجعلون أل عوضاً من الضمير . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل : ) مِن شَجَرَةٍ ( ، على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر ؟ قلت : أريد تفصيل الشجر ونقضها شجرة شجرة ، حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاماً . انتهى . وهذا النوع هو مما أوقع فيه المفرد موقع الجمع ، والنكرة موقع المعرفة ، ونظيره : ) مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ ( ، ( مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ( ، ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ مَن دَابَّةٍ ( ؛ وكقول العرب : هو أول فارس ، وهذا أفضل عالم ، يريد من الآيات ومن الرحمات ومن الدواب ، وأول الفرسان . أخبروا بالمفرد والنكرة ، وأرادوا به معنى الجمع المعرف بأل ، وهو مهيع في كلام العرب معروف . وكذلك يتقدر هذا من الشجرات ، أو من الأشجار . وفي هذا الكلام من المبالغة في تكثير الأقلام والمداد ما ينبغي أن يتأمل ، وذلك أن الأشجار مشتمل كل واحدة منها على الأغصان الكثيرة ، وتلك الأغصان كل غصن منها يقطع على قدر القلم ، فيبلغ عدد الأقلام في التناهي إلى ما لايعلم به ، ولا يحيط إلا الله تعالى .
وقرأ الجمهور : ) مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ( ، بالألف والتاء . وقرأ زيد بن علي : كلمة الله ، على التوحيد . وقرأ الحسن : ما نفد ، بغير تاء ، كلام الله . قال أبو علي : المراد بالكلمات ، والله أعلم : ما في المعدوم دون ما خرج من العدم إلى الوجود . وقالت فرقة : المراد بكلمات الله : معلوماته . وقال الزمخشري : فإن قلت : الكلمات جمع قلة ، والمواضع مواضع التكثير لا التقليل ، فهلا قيل : كلم الله ؟ قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتبها البحار ، فكيف بكلمة ؟ انتهى . وعلى تسليم أن كلمات جمع قلة ، فجموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية ، أو أضيفت ، عمت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد . ) أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ( : كامل القدرة ، فمقدوراته لا نهاية لها . ) حَكِيمٌ ( : كامل العلم ، فمعلوماته لا نهاية لها . ولما ذكر تعالى كمال قدرته وعلمه ، ذكر ما يبطل استبعادهم للحشر . ) إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ( : إلا كخلق نفس واحدة وبعثها ، ومن لا نفاد لكلماته يقول للموتي : كونوا فيكونون ، فالقليل والكثير ، والواحد والجمع ، لا يتفاوت في قدرته . وقال النقاش : هذه الآية في أبيّ بن خلف ، وأبي الأسد ، ونبيه ومنبه ابني الحجاج ، قالوا : يا محمد : إنا نرى الطفل يخلق بتدريج ، وأنت تقول : الله يعيدنا دفعة واحدة ، فنزلت . ) إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( : سميع كل صوت ، بصير يبصر كل مبصر في حالة واحدة ، لا يشغله إدراك

الصفحة 187