كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 26 "
صديقه خاصة ، قالوا على جهة التلهف والتأسف ، ( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ). وقال ابن جريج : شافعين من الملائكة وصديق من الناس . ولفظة الشفيع تقتضي رفعة مكانة عند المشفوع عنده ، ولفظة الصديق تقتضي شدة مساهمة ونصرة ، وهو فعيل من صدق الود من أبنية المبالغة ونفي الشفعاء . والصديق يحتمل أن يكون نفياً لوجودهم إذ ذاك ، وهم موجودون للمؤمنين ، إذ تشفع الملائكة وتتصادق المؤمنون ، كما قال : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين ، أو ذلك على حسب اعتقادهم في معبوداتهم أنهم شفعاؤهم عند الله ، وأن لهم أصدقاء من الإنس والشياطين ، فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع ، لأن ما لا ينفع ، حكمه حكم المعدوم ، فصار المعنى : فما لنا من نفع من كنا نعتقد أنهم شفعاء وأصدقاء ، وجمع الشفعاء لكثرتهم في العادة . ألا ترى أنه يشفع فيمن وقع في ورطة من لا يعرفه ، وأفرد الصديق لقلته ، وأريد به الجمع ؟ إذ يقال : هم صديق ، أي أصدقاء ، كما يقال : هم عدو ، أي أعداء . والظاهر أن لو هنا أشربت معنى التمني ، وفتكون الجواب ، كأنه قيل : يا ليت لنا كرة فنكون . وقيل : هي الخالصة للدلالة لما كان سيقع لوقوع غيره ، فيكون قوله : ) فَنَكُونَ ( معطوفاً على كرة ، أي فكونا من المؤمنين ، وجواب لو محذوف ، أي لكان لنا شفعاء وأصدقاء ، أو لخلصنا من العذاب . والظاهر أن هذه الجمل كلها متعلقة بقول إبراهيم ، أخبر بما أعلمه الله من أحوال يوم القيامة ، وما يكون فيها من حال قومه .
وقال ابن عطية : وهذه الآيات من قوله : ) يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ( هي عندي منقطعة من كلام إبراهيم عليه السلام ، وهي إخبار من الله عز وجل ، تعلق بصفة ذلك اليوم الذي وقف إبراهيم عليه السلام عنده في دعائه أن لا يخزي فيه . انتهى . وكان ابن عطية قد أعرب ) يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ( بدلاً من ) يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( ، وعلى هذا لا يتأتى هذا الذي ذكره من تفكيك الكلام ، وجعل بعضه من كلام إبراهيم ، وبعضه من كلام الله ، لأن العامل في البدل على مذهب الجمهور فعل آخرمن لفظ الأول ، أو الأول . وعلى كلا التقديرين ، لا يصح أن يكون من كلام الله ، إذ يصير التقدير : ولا تخزني يوم لا ينفع مال ولا بنون . والإشارة بقوله ) إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً ( إلى قصة إبراهيم عليه السلام ومحاورته لقومه . ) وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ ( : أي أكثر قوم إبراهيم . بين تعالى أن أكثر قومه لم يؤمنوا مع ظهور هذه الدلائل التي استدل بها إبراهيم عليه السلام ، وفي ذلك مسلاة للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) في تكذيب قومه إياه عليه السلام .
( ) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الاٌّ رْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّى لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُجْرِمِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُواْ الَّذِى e

الصفحة 26