كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 46 "
بخلاف عنه ، ونافع يتبعهم مخففاً ؛ وباقي السبعة مشدداً ؛ وسكن العين : الحسن ، وعبد الوارث ، عن أبي عمرو . وروى هارون : نصبها عن بعضهم ، وهو مشكل . ) وَالْغَاوُونَ ( ، قال ابن عباس : الرواة ، وقال أيضاً : المستحسنون لأشعارهم ، المصاحبون لهم . وقال عكرمة : الرعاع الذين يتبعون الشاعر . وقال مجاهد ، وقتادة : الشياطين . وقال عطية : السفهاء المشركون يتبعون شعراءهم .
( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ ( : تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول ، واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ، ومجاوزة حد القصد فيه ، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة ، وأشجهم علي حاتم ، ويبهتوا البريء ، ويفسقوا النفي . وقال ابن عباس : هو تقبيحهم الحسن ، وتحسينهم القبيح . ) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ( ، وذلك لغلوهم في أفانين الكلام ، ولهجهم بالفصاحة والمعاني اللطيفة ، قد ينسبون لأنفسهم ما لا يقع منهم . وقد درأ الحد في الخمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النعمان بن عدي ، في شعر قاله لزوجته حين احتج عليه بهذه الآية ، وكان قد ولاه بيسان ، فعزله وأراد أن يحده والفرزدق ، سليمان بن عبد الملك : فبتن كأنهن مصرعات
وبت أفض أغلاق الختام
فقال له سليمان : لقد وجب عليك الحد ، فقال : لقد درأ الله عني الجدّ بقوله : ) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ). أخبر تعالى عن الشعراء بالأحوال التي تخالف حالا النبوة ، إذ أمرهم ، كما ذكر ، من اتباع الغواة لهم ، وسلوكهم أفانين الكلام من مدح الشيء وذمه ، ونسبة ما لا يقع منهم إليهم ، وذلك بخلاف حال النبوة ، فإنها طريقة واحدة ، لا يتبعها إلا الراشدون . ودعوة الأنبياء واحدة ، وهي الدعاء إلى توحيد الله وعبادته ، والترغيب في الآخرة والصدق . وهذا مع أن ما جاءوا به لا يمكن أن يجيء به غيرهم من ظهور المعجز . ولما كان ما سبق ذماً للشعراء ، واستثنى منهم من اتصف بالإيمان والعمل الصالح والإكثار من ذكر الله ، وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر ؛ وإذا نظموا شعراً كان في توحيد الله والثناء عليه وعلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وصحبه ، والموعظة والزهد والآداب الحسنة وتسهيل علم ، وكل ما يسوغ القول فيه شرعاً فلا يتلطخون في قوله بذنب ولا منقصة . والشعر باب من الكلام ، حسنه حسن ، وقبيحه قبيح .
وقال رجل علوي لعمرو بن عبيد : إن صدري ليجيش بالشعر ، فقال : ما يمنعك منه فيما لا بأس به . وقيل : المراد بالمستثنين : حسان ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وكعب بن زهير ، ومن كان ينافخ عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وقال عليه السلام لكعب بن مالك : ( اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل ) . وقال لحسان : ( قل وروح القدس معك ) ، وهذا معنى قوله : ) وَانتَصَرُواْ ( : أي بالقول فيمن ظلمهم . وقال عطاء بن يسار وغيره : لما ذم الشعراء بقوله : ) وَالشُّعَرَاء ( الآية ، شق ذلك على حسان وابن رواحة وكعب بن مالك ، وذكروا ذلك للرسول عليه الصلاة والسلام ، فنزلت آية الاستثناء بالمدينة ، وخص ابن زيد قوله : ) وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ( ، فقال : أي في شعرهم . وقال ابن عباس : صار خلقاً لهم وعادة ، كما قال لبيد ، حين طلب منه شعرة : إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه . ولما ذكر : ) وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ( ، توعد الظالمين هذا التوعد العظيم الهائل الصادع للأكباد وأبهم في قوله : ) أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ).
ولما عهد أبو بكر لعمر رضي الله عنهما ، تلا عليه : ) وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ

الصفحة 46