كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 490 "
وموسى وعيسى صلوات الله عليهم ، لأنهما هما اللذان كان أتباعهما موجودين زمان بعثة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) . والشرائع متفقة فيما ذكرنا من العقائد ، وفي كثير من الأحكام ، كتحريم الزنا والقتل بغير حق . والشرائع مشتملة على عقائد وأحكام ؛ ويقال : إن نوحاً أول من أتى بتحريم البنات والأمهات وذوات المحارم . وقال ابن عباس : اختار ، ويحتمل أن تكون أن مفسرة ، لأن قبلها ما هو بمعنى القول ، فلا موضع لها من الإعراب . وأن تكون أن المصدرية ، فتكون في موضع نصب على البدل من ما ؛ وما عطف عليها ، أو في موضع رفع ، أي ذلك ، أو هو إقامة الدين ، وهو توحيد الله وما يتبعه مما لا بد من اعتقاده . ثم نهى عن التفرقة فيه ، لأن التفرق سبب للهلاك ، والاجتماع والألفة سبب للنجاة . ) كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ( : أي عظم وشق ، ( مَا تَدْعُوهُمْ ( من توحيد الله وترك عباده الأصنام وإقامة الدين . ) إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى ( : يجتلب ويجمع ، ( إِلَيْهِ مَن يَشَاء ( هدايته ، وهذا تسلية للرسول . وقيل : يجتبي ، فيجعله رسولاً إلى عباده ، ( وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ( : يرجع إلى طاعته عن كفره . وقال الزمخشري : ) مَن يَشَآء ( : من ينفع فيهم توفيقه ويجري عليهم لطفة . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال .
وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لم يكن مع آدم عليه السلام إلا بنوه ، ولم تفرض ، له الفرائض ، ولا شرعت له المحارم ، وإنما كان منبهاً على بعض الأمور ، مقتصراً على ضرورات المعاش . واستمر الهدى إلى نوح ، فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات ، ووظف عليه الواجبات ، وأوضح له الأدب في الديانات . ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل ويتناصر بالأنبياء واحداً بعد واحد وشريعة إثر شريعة ، حتى ختمه الله بخير الملل على لسان أكرم الرسل ، فكان المعنى : أوصيناك يا محمد ونوحاً ديناً واحداً في الأصول التي لا تختلف فيها الشرائع ، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والحج والتقريب بصالح الأعمال ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة وصلة الرحم وتحريم الكبر والزنا والإذاية للخلق كيفما تصرفت ، والاعتداء على الحيوان ، واقتحام الدناءآت وما يعود بخرم المروآت ؛ فهذا كله مشروع ديناً واحداً ، أو ملة متحدة ، لم يختلف على ألسنة الأنبياء ، وإن اختلفت أعدادهم ، وذلك قوله : ) أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ( : أي اجعلوه قائماً ، يريد دائماً مستمراً محفوظاً مستقراً من غير خلاف فيه ولا اضطراب . انتهى . وقال مجاهد : لم يبعث نبي إلا أمر بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة والإقرار بالله وطاعته ، فهو إقامة الدين . وقال أبو العالية : إقامة الدين : الأخلاص لله وعبادته ، ( وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ( ، قال أبو العالية : لا تتعادوا فيه . وقال مقاتل : معناه لا تختلفوا ، فإن كل نبي مصدق . وقيل : لا تتفرقوا فيه ، فتؤمنوا ببعض الرسل وتكفروا ببعض .
( وَمَا تَفَرَّقُواْ ( ، قال ابن عباس : يعني قرشياً ، والعلم : محمد عليه الصلاة والسلام ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ، كما قال : ) وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ ( ، يريدون نبياً . وقيل : الضمير يعود على أمم الأنبياء ، جاءهم العلم ، فطال عليهم الأمد ، فآمن قوم وكفر قوم . وقال ابن عباس أيضاً : عائد على أهل الكتاب ، والمشركين دليله : ) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدَمَا جَاءتْهُمُ الْبَيّنَةُ ( ، قال المشركون : لم خص بالنبوة ، واليهود والنصارى حسدوه . ) وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ( : أي عدة التأخر إلى يوم القيامة ، فحينئذ يقع الجزاء ، ( لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ( : لجوزوا بأعمالهم في الدنيا ؛ لكنه قضى أن ذلك لا يكون إلا في الآخرة . وقال الزجاج : الكلمة قوله : ) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ). ) وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُواْ الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ ( : هم بقية أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، ( مّن بَعْدِهِمْ ( : أي من بعد أسلافهم ، أو هم المشركون ، أورثوا الكتاب من بعدما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل . وقرأ زيد بن علي : ورثوا مبنياً للمفعول مشدد الراء ، ( لَفِى شَكّ مّنْهُ ( : أي من كتابهم ، أو من القرآن ، أو مما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، أو من الدين

الصفحة 490